للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذِرَاعَيْهِ (١) بِلِحَاءِ (٢) جَمِيعِ أَشْجَارِ الْحَرَمِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ أَمَانًا مِنَ الْقَتْلِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ لَهُ عَقْدُ ذِمَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَمَانٍ (٣) وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحْثٌ آخَرُ، لَهُ مَوْضِعٌ أَبْسَطُ مِنْ هَذَا.

[وَ] (٤) قَوْلُهُ: {وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} يَعْنِي: لَا تَتْرُكُوا الْإِهْدَاءَ إِلَى الْبَيْتِ؛ فَإِنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا لِشَعَائِرِ اللَّهِ، وَلَا تَتْرُكُوا تَقْلِيدَهَا فِي أَعْنَاقِهَا لِتَتَمَيَّزَ بِهِ عَمَّا عَدَاهَا مِنَ الْأَنْعَامِ، وَلِيَعْلَمَ أَنَّهَا هَدْيٌ إِلَى الْكَعْبَةِ فَيَجْتَنِبُهَا مَنْ يُرِيدُهَا بِسُوءٍ، وَتَبْعَثُ مَنْ يَرَاهَا عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهَا، فَإِنَّ مَنْ دَعَا إِلَى هدْيٍ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا؛ وَلِهَذَا لَمَّا حَج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاتَ بِذِي الحُلَيْفة، وَهُوَ وَادِي العَقيق، فَلَمَّا أَصْبَحَ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ، وَكُنَّ تِسْعًا، ثُمَّ اغْتَسَلَ وتَطيَّب وصلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَشْعَرَ هَدْيَه وقلَّدَه، وأهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَانَ هَدْيُهُ إِبِلًا كَثِيرَةً تنيفُ عَلَى السِّتِّينَ، مِنْ أَحْسَنِ الْأَشْكَالِ وَالْأَلْوَانِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الْحَجُّ:٣٢] .

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِعْظَامُهَا: اسْتِحْسَانُهَا وَاسْتِسْمَانُهَا.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ. رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ (٥)

وَقَالَ مُقاتل بْنُ حَيَّان: {وَلا الْقَلائِدَ} فَلَا تَسْتَحِلُّوا (٦) وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا خَرَجُوا مِنْ أَوْطَانِهِمْ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ (٧) قلَّدوا أَنْفُسَهُمْ بالشَّعْر والوَبَر، وَتَقَلَّدَ مُشْرِكُو الْحَرَمِ مِنْ لَحاء شَجَرِ الْحَرَمِ، فَيَأْمَنُونَ بِهِ.

رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّار، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّاد بْنُ العَوَّام، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نُسِخَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ آيَتَانِ: آيَةُ الْقَلَائِدِ، وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الْمَائِدَةِ:٤٢] .

وَحَدَّثَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ شَاذَّانَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيّ، عَنِ ابْنِ عَوْن قَالَ: قُلْتُ لِلْحُسْنِ: نُسِخَ مِنَ الْمَائِدَةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا.

وَقَالَ عَطَاءٌ: كَانُوا يَتَقَلَّدُونَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ، فَيَأْمَنُونَ، فَنَهَى اللَّهُ عَنْ قَطْعِ شَجَرِهِ. وَكَذَا قَالَ مُطرِّف بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.

وَقَوْلُهُ: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا} أَيْ: وَلَا تَسْتَحِلُّوا قِتَالَ الْقَاصِدِينَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، الَّذِي مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا، وَكَذَا مَنْ قَصَدَهُ طَالِبًا فَضْلَ اللَّهِ وَرَاغِبًا فِي رِضْوَانِهِ، فَلَا تَصُدُّوهُ وَلَا تَمْنَعُوهُ وَلَا تُهَيِّجُوهُ.

قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، ومُطَرِّف بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ (٨) بن عُبَيد بن عُمير، والربيع


(١) في د: ذراعيه أو عنقه".
(٢) في د، ر: "لحاء".
(٣) تفسير الطبري (٩/٤٧٩) .
(٤) زيادة من د.
(٥) سنن أبي داود برقم (٢٨٠٤) وسنن الترمذي برقم (١٤٩٨) وسنن النسائي (٧/٢١٦) وسنن ابن ماجة برقم (٣١٤٢) .
(٦) في د، ر، أ: "فلا تستحلوه".
(٧) في ر: "أشهر الحرم".
(٨) في أ: "وعبيد الله".

<<  <  ج: ص:  >  >>