للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} أَيْ: مَا لَمْ يَذْكُرْهُ (١) فِي كِتَابِهِ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ، فَاسْكُتُوا أَنْتُمْ عَنْهَا كَمَا سَكَتَ عَنْهَا. وَفِي الصَّحِيحِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "ذَرُونِي مَا تُرِكْتُم؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ". (٢)

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا: " إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضيِّعُوها، وحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وحَرَّم أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ غَيْرَ نِسْيان فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهَا". (٣)

ثُمَّ قَالَ: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} أَيْ: قَدْ سَأَلَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا قومٌ مِنْ قَبْلِكُمْ، فَأُجِيبُوا عَنْهَا ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا، فَأَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ، أَيْ: بِسَبَبِهَا، أَيْ: بُيِّنَتْ لَهُمْ وَلَمْ (٤) يَنْتَفِعُوا بِهَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِرْشَادِ، وَإِنَّمَا سَأَلُوا عَلَى وَجْهِ التَّعَنُّتِ وَالْعِنَادِ.

قَالَ، العَوْفِي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَذَّنَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: "يَا قَوْمِ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ". فَقَامَ (٥) رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فأغْضبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ مَا (٦) اسْتَطَعْتُمْ، وإذًا لَكَفَرْتُمْ، فَاتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَافْعَلُوا، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا عَنْهُ". فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} نَهَاهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ مِثْلِ الَّذِي سَأَلَتِ النَّصَارَى مِنَ الْمَائِدَةِ، فَأَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ. فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ فِيهَا بِتَغْلِيظٍ (٧) سَاءَكُمْ ذَلِكَ، وَلَكِنِ انْتَظَرُوا، فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا وَجَدْتُمْ تِبْيَانَهُ (٨) رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنزلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْحَجِّ، نَادَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعَامًا وَاحِدًا أَمْ كُلَّ عَامٍ؟ فَقَالَ: "لَا بَلْ عَامًا وَاحِدًا، وَلَوْ قُلْتُ: كُلَّ عَامٍ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ". ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} (٩) رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ خَصِيف، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} قَالَ: هِيَ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالِحَامِ، أَلَّا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ (١٠) "مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحَيْرَةٍ وَلَا كَذَا وَلَا كَذَا"، قَالَ: وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْآيَاتِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} رواه ابن جرير.


(١) في د: "لم يذكرها".
(٢) صحيح مسلم برقم (١٣٣٧) .
(٣) رواه البيهقي في السنن الكبرى (١٠/١٣) من طريق داود بن أبي هند، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني به مرفوعًا.
(٤) في د: "فلم".
(٥) في د: "فقال".
(٦) في د: "لما".
(٧) في د: "لتغليظ".
(٨) في د: "بيانه".
(٩) في د: " إلى قوم بها كافرين " وهو خطأ".
(١٠) في د: "قال بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>