للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: كُلُّ مَكْرٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ عَمَلٌ.

وَقَوْلُهُ: {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} أَيْ: وَمَا يَعُودُ وَبَالُ مَكْرِهِمْ ذَلِكَ وَإِضْلَالِهِمْ مَنْ أَضَلُّوهُ إِلَّا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، كَمْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [الْعَنْكَبُوتِ: ١٣] ، وَقَالَ {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النَّحْلِ: ٢٥] .

وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} أَيْ: إِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ وَبُرْهَانٌ وَحُجَّةٌ قَاطِعَةٌ، قَالُوا: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} أَيْ: حَتَّى تَأْتِيَنَا الْمَلَائِكَةُ مِنَ اللَّهِ بِالرِّسَالَةِ، كَمَا تَأْتِي إِلَى الرُّسُلِ، كَقَوْلِهِ، جَلَّ وَعَلَا {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا [لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا] (١) } [الْفَرْقَانِ: ٢١] .

وَقَوْلُهُ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} أَيْ: هُوَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَضَعُ رِسَالَتَهُ وَمَنْ يَصْلُحُ لَهَا مِنْ خَلْقِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّك} الْآيَةَ [الزُّخْرُفِ: ٣١، ٣٢] يَعْنُونَ: لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ عَظِيمٍ كَبِيرٍ مُبَجَّلٍ فِي أَعْيُنِهِمْ {مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ} أَيْ: مَكَّةَ وَالطَّائِفِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ -قَبَّحَهُمُ اللَّهُ -كَانُوا يَزْدَرُونَ بِالرَّسُولِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بَغْيًا وَحَسَدًا، وَعِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٦] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا} [الْفُرْقَانِ: ٤١] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الْأَنْعَامِ: ١٠] . هَذَا وَهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِفَضْلِهِ وَشَرَفِهِ وَنَسَبِهِ. وَطَهَارَةِ بَيْتِهِ وَمَرْبَاهُ وَمَنْشَئِهِ، حَتَّى أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَهُ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ: "الْأَمِينَ"، وَقَدِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ رَئِيسُ الْكُفَّارِ "أَبُو سُفْيَانَ" حِينَ سَأَلَهُ "هِرَقْلُ" مَلِكُ الرُّومِ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قَالَ: لَا الْحَدِيثُ بِطُولِهِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مَلِكُ الرُّومِ بِطَهَارَةِ (٢) صِفَاتِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى صِدْقِهِ وَنُبُوَّتِهِ وَصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصعب، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ شَدَّاد أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ".

انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ -وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو إِمَامُ أَهْلِ الشَّامِ، بِهِ نحوه (٣) .


(١) زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".
(٢) في أ: "بظاهر".
(٣) المسند (٤/١٠٧) وصحيح مسلم برقم (٢٢٧٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>