للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ رَوَاهُ [ابْنُ جَرِيرٍ] (١) مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُتَّصِلًا مَرْفُوعًا فَقَالَ: حَدَّثَنِي بن سِنان الْقَزَّازُ، حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيُّ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ} قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يُشْرَح صَدْرُهُ؟ قَالَ: "يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيَنْفَسِحُ". قَالُوا: وَهَلْ لِذَلِكَ (٢) عَلَامَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "التَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَالْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْمَوْتُ" (٣) .

فَهَذِهِ طُرُقٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ مُرْسَلَةٌ وَمُتَّصِلَةٌ، يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا [كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ] } (٤) قُرِئَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَتَسْكِينِ الْيَاءِ، وَالْأَكْثَرُونَ: {ضَيِّقًا} بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ: كَهَيْن وهَيّن. وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: {حَرَجًا} بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، قِيلَ: بِمَعْنَى آثَمٍ. وَقَالَ (٥) السُّدِّي. وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى {حَرَجًا} بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَتَّسِعُ لِشَيْءٍ مِنَ الْهُدَى، وَلَا يَخْلُصُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مَا يَنْفَعُهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَلَا يَنْفُذُ فِيهِ.

وَقَدْ سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ مِنْ مُدْلج: مَا الْحَرَجَةُ؟ قَالَ (٦) هِيَ الشَّجَرَةُ تَكُونُ بَيْنَ الْأَشْجَارِ لَا تَصِلُ إِلَيْهَا رَاعِيَةٌ، وَلَا وَحْشِيَّةٌ، وَلَا شَيْءٌ. فَقَالَ عُمْرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَذَلِكَ قَلْبُ الْمُنَافِقِ لَا يَصِلُ (٧) إِلَيْهِ (٨) شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ (٩) .

وَقَالَ العَوْفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَجْعَلُ اللَّهُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ ضَيِّقًا، وَالْإِسْلَامُ وَاسِعٌ. وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الْحَجِّ: ٧٨] ، يَقُولُ: مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ ضِيقٍ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ والسُّدِّي: {ضَيِّقًا حَرَجًا} شَاكًّا. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: {ضَيِّقًا حَرَجًا} لَيْسَ لِلْخَيْرِ فِيهِ مَنْفَذٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج {ضَيِّقًا حَرَجًا} بِلَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى لَا تَسْتَطِيعَ أَنْ تَدْخُلَهُ، كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر: يَجْعَلُ صَدْرَهُ {ضَيِّقًا حَرَجًا} قَالَ: لَا يَجِدُ فِيهِ مَسْلَكًا إِلَّا صُعدا.

وَقَالَ السُّدِّي: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} مِنْ ضِيقِ صَدْرِهِ.

وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} يَقُولُ: مَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي لَا يستطيع أن يصعد


(١) زيادة من م.
(٢) في م: "لذلك من".
(٣) ورواه الحاكم في المستدرك (٤/٣١١) وابن أبي الدنيا في الموت ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان برقم (١٠٥٥٢) من طريق عدي ابن الفضل، عن المسعودي، عن القاسم، عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بنحوه.
قاال الذهبي في تلخيص المستدرك: "عدى ساقط".
(٤) زيادة من أ.
(٥) في أ: "قاله"
(٦) في أ: "فقال"
(٧) في د: لا تصل".
(٨) في أ: "إلى".
(٩) رواه الطبري في تفسيره (١٢/١٠٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>