للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِحْدَاهُنَّ: فِي النَّفَلِ لَا خُمُسَ فِيهِ، وَذَلِكَ السَّلَبُ.

وَالثَّانِيَةُ: فِي النَّفَلِ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ، وَهُوَ أَنْ يُوَجِّهَ الْإِمَامُ السَّرَايَا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، فَتَأْتِي بِالْغَنَائِمِ فَيَكُونُ لِلسَّرِيَّةِ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّبُعُ أَوِ الثُّلْثُ بَعْدَ الْخُمُسِ.

وَالثَّالِثَةُ: فِي النَّفَلِ مِنَ الْخُمُسِ نَفْسِهِ، وَهُوَ أَنْ تُحَازَ الْغَنِيمَةُ كُلُّهَا، ثُمَّ تُخَمَّسُ، فَإِذَا صَارَ الْخُمُسُ فِي يَدَيِ الْإِمَامِ نَفَلَ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى.

وَالرَّابِعَةُ: فِي النَّفَلِ فِي جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ يُخَمَّسَ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنْ يُعْطَى الْأَدِلَّاءُ وَرُعَاةُ الْمَاشِيَةِ والسَّوَّاق لَهَا، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ.

قَالَ الرَّبِيعُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَنْفَالُ: أَلَّا يَخْرُجَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْخُمُسِ شَيْءٌ غَيْرُ السَّلَبِ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ النَّفَلِ هُوَ شَيْءٌ زِيدُوهُ غَيْرَ الَّذِي كَانَ لَهُمْ، وَذَلِكَ مِنْ خُمُسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ لَهُ خُمُسَ الْخُمُسِ مِنْ كُلِّ غَنِيمَةٍ، فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ، فَإِذَا كَثُرَ الْعَدُوُّ وَاشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُمْ، وَقَلَّ مَنْ بِإِزَائِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، نَفَلَ مِنْهُ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يَنْفُلْ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ النَّفَلِ: إِذَا بَعَثَ الْإِمَامُ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا، فَقَالَ لَهُمْ قَبْلَ اللِّقَاءِ: مَنْ غَنِمَ شَيْئًا فَلَهُ بَعْدَ الْخُمُسِ، فَذَلِكَ لَهُمْ عَلَى مَا شَرَطَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ غَزَوْا، وَبِهِ رَضُوا. انْتَهَى كَلَامُهُ (١)

وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: "إِنَّ غَنَائِمَ بَدْرٍ لَمْ تُخَمَّسْ"، نَظَرٌ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي شَارِفَيْهِ اللَّذَيْنِ حَصَلَا لَهُ مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ السِّيرَةِ بَيَانًا شَافِيًا (٢) وَلِلَّهِ الْحَمْدُ [وَالْمِنَّةُ] (٣)

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} أَي: اتَّقُوا اللَّهَ فِي أُمُورِكُمْ، وَأَصْلِحُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَلَا تَظَالَمُوا وَلَا تَخَاصَمُوا وَلَا تَشَاجَرُوا؛ فَمَا آتَاكُمُ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ خَيْرٌ مِمَّا تَخْتَصِمُونَ بِسَبَبِهِ، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أَيْ: فِي قَسْمِهِ بَيْنَكُمْ عَلَى مَا أَرَادَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ قَسَّمَهُ (٤) كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ مِنَ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا تَحْرِيجٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّقُوا [اللَّهَ] (٥) وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} أَيْ: لَا تَسْتَبُّوا. وَنَذْكُرُ هَاهُنَا حَدِيثًا أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي مُسْنَدِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا مجاهد


(١) الأموال (ص ٤٣١) .
(٢) السيرة لابن كثير (٢/٤٦٦) .
(٣) زيادة من أ.
(٤) في أ: "يقسمه".
(٥) زيادة من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>