للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} يَعْنِي: أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً

وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَلَّا يُقِرُّوا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ إِلَيْهِمْ فَيَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ.

وَهَذَا تَفْسِيرٌ حَسَنٌ جِدًّا؛ وَلِهَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} هِيَ أَيْضًا لَكُمْ، وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التَّغَابُنِ: ١٥] فَأَيُّكُمُ اسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا التَّحْذِيرَ يَعُمُّ الصَّحَابَةَ وَغَيْرَهُمْ -وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ مَعَهُمْ -هُوَ الصَّحِيحُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الْفِتَنِ، وَلِذَلِكَ كِتَابٌ مُسْتَقِلٌّ يُوَضَّحُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا فَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّصْنِيفِ وَمِنْ أَخَصِّ مَا يُذْكَرُ هَاهُنَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَيْثُ قَالَ:

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ-أَنْبَأَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ عَدِيّ بْنَ عَدِيّ الْكِنْدِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي مَوْلًى لَنَا أَنَّهُ سَمِعَ جَدِّي -يَعْنِي عَدِيّ بْنَ عَمِيرَةَ -يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهم، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلَا يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّب اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ" (١)

فِيهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَا وَاحِدَ مِنْهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ -يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ -أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْهَلِ، عَنْ حُذَيفة بْنِ الْيَمَانِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقابا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لتَدعُنّه فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ" (٢)

وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَقَالَ: "أَوْ لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ قَوْمًا ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ " (٣)

وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا رَزِين بْنُ حَبِيبٍ الجُهَني، حَدَّثَنِي أَبُو الرُّقاد قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ مَوْلَايَ، فَدُفِعْتُ إِلَى حُذَيْفَةَ وَهُوَ يَقُولُ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَصِيرُ مُنَافِقًا، وَإِنِّي لَأَسْمَعُهَا مِنْ أَحَدِكُمْ فِي الْمَقْعَدِ الْوَاحِدِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؛ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولَتَحَاضُّن عَلَى الْخَيْرِ، أَوْ لَيَسْحَتَنَّكم اللَّهُ جَمِيعًا بعذاب، أو ليؤمرَنّ عليكم


(١) المسند (٤/١٩٢) .
(٢) المسند (٥/٣٨٨) .
(٣) في المسند (٥/٣٨٨) "أبو سعيد مولى بني هاشم عن سليمان بن بلال" ثم راجعت أطراف المسند للحافظ ابن حجر (٢/٢٦٣) فوجدته كما هو في المسند.

<<  <  ج: ص:  >  >>