للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[هُمُ] (١) النَّصَارَى.

وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذَا اخْتِلَافًا.

وَشَاهِدُ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ، الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي خِطَابِهِ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنزلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} [الْبَقَرَةِ: ٩٠] ، وَقَالَ فِي الْمَائِدَةِ (٢) {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [الْمَائِدَةِ: ٦٠] ، وَقَالَ تَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الْمَائِدَةِ: ٧٨، ٧٩] .

وَفِي السِّيرَةِ (٣) (٤) عَنْ زَيْدِ بْنِ عَمْرِوِ بْنِ نُفَيْلٍ؛ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الشَّامِ يَطْلُبُونَ الدِّينَ الْحَنِيفَ، قَالَتْ لَهُ الْيَهُودُ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ الدُّخُولَ مَعَنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ. فَقَالَ: أَنَا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ أَفِرُّ. وَقَالَتْ لَهُ النَّصَارَى: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ الدُّخُولَ مَعَنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ سَخَط اللَّهِ فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُهُ. فَاسْتَمَرَّ عَلَى فِطْرَتِهِ، وَجَانَبَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَدِينَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَ أَحَدٍ مِنَ الْيَهُودِ وَلَا النَّصَارَى، وَأَمَّا أَصْحَابُهُ فَتَنَصَّرُوا وَدَخَلُوا فِي دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ وَجَدُوهُ أَقْرَبَ مِنْ دِينِ الْيَهُودِ إِذْ ذَاكَ، وَكَانَ مِنْهُمْ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، حَتَّى هَدَاهُ اللَّهُ بِنَبِيِّهِ لَمَّا بَعَثَهُ آمَنَ بِمَا وَجَدَ مِنَ الْوَحْيِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

(مَسْأَلَةٌ) : وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ الْإِخْلَالُ بِتَحْرِيرِ مَا بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِمَا؛ وَذَلِكَ أَنَّ الضَّادَ مَخْرَجُهَا مِنْ أَوَّلِ حَافَّةِ اللِّسَانِ وَمَا يَلِيهَا مِنَ الْأَضْرَاسِ، وَمَخْرَجُ الظَّاءِ مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ وَأَطْرَافِ الثَّنَايَا الْعُلْيَا، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْحَرْفَيْنِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمَجْهُورَةِ وَمِنَ الْحُرُوفِ الرِّخْوَةِ وَمِنَ الْحُرُوفِ الْمُطْبَقَةِ، فَلِهَذَا كُلِّهِ اغْتُفِرَ اسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا مَكَانَ الْآخَرِ لِمَنْ لَا يُمَيِّزُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ: "أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ" فَلَا أَصْلَ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ

اشْتَمَلَتْ هَذِهِ السورة الكريمة وهي سبع آيات، عَلَى حَمْدِ اللَّهِ وَتَمْجِيدِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، بِذِكْرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى الْمُسْتَلْزِمَةِ لِصِفَاتِهِ الْعُلْيَا (٥) ، وَعَلَى ذِكْرِ الْمَعَادِ وَهُوَ يَوْمُ الدِّينِ، وَعَلَى إِرْشَادِهِ عَبِيدَهُ (٦) إِلَى سُؤَالِهِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، وَالتَّبَرُّؤِ مِنْ حَوْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، وَإِلَى إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَتَوْحِيدِهِ بِالْأُلُوهِيَّةِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَتَنْزِيهِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ أَوْ نَظِيرٌ أَوْ مُمَاثِلٌ، وَإِلَى سُؤَالِهِمْ إِيَّاهُ الْهِدَايَةَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَهُوَ الدِّينُ الْقَوِيمُ، وَتَثْبِيتَهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يُفضي بِهِمْ ذَلِكَ إِلَى جَوَازِ الصِّرَاطِ الْحِسِّيِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمُفْضِي بِهِمْ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ فِي جِوَارِ النَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ، وَالصَّالِحِينَ.

وَاشْتَمَلَتْ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، لِيَكُونُوا مَعَ أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مَسَالِكَ الْبَاطِلِ؛ لِئَلَّا يُحْشَرُوا مَعَ سَالِكِيهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُمُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ وَالضَّالُّونَ. وَمَا أَحْسَنَ مَا جَاءَ إِسْنَادُ الْإِنْعَامِ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَحَذْفُ الْفَاعِلِ فِي الْغَضَبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وَإِنْ كَانَ هُوَ الْفَاعِلَ لِذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الآية [المجادلة: ١٤] ،


(١) زيادة من جـ.
(٢) في جـ: "وقال تعالى".
(٣) في ط: "وفي السنن".
(٤) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (١/٢٢٤) .
(٥) في جـ، ط، ب، أ، و: "العلا".
(٦) في جـ: "إرشاد عبده"، وفي ط، ب: "إرشاد عبيده".

<<  <  ج: ص:  >  >>