للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بْنِ مُنَبِّه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا، وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَل، وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ افْتُتِنَ".

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، بِهِ (١) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ.

وَلَمَّا كَانَتِ الْغِلْظَةُ وَالْجَفَاءُ فِي أَهْلِ الْبَوَادِي لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ مِنْهُمْ رَسُولًا وَإِنَّمَا كَانَتِ الْبَعْثَةُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يُوسُفَ:١٠٩] وَلَمَّا أَهْدَى ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ تِلْكَ الْهَدِيَّةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فردَّ عَلَيْهِ أَضْعَافَهَا حَتَّى رَضِيَ، قَالَ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَلَّا أَقْبَلَ هَدِيَّةً إِلَّا مِنْ قُرشي، أَوْ ثَقَفي أَوْ أَنْصَارِيٍّ، أَوْ دَوْسِيّ" (٢) ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا يَسْكُنُونَ الْمُدُنَ: مَكَّةَ، وَالطَّائِفَ، وَالْمَدِينَةَ، وَالْيَمَنَ، فَهُمْ أَلْطَفُ أَخْلَاقًا مِنَ الْأَعْرَابِ: لِمَا فِي طِبَاعِ الْأَعْرَابِ مِنَ الْجَفَاءِ.

حَدِيثُ [الْأَعْرَابِيِّ] (٣) فِي تَقْبِيلِ الْوَلَدِ: قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْب قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْر، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أتقبِّلون صِبْيَانَكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالُوا: وَلَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نقبِّل. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَأمْلكُ أَنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ؟ ". وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: "مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ" (٤)

وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أَيْ: عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعَلِّمَهُ الْإِيمَانَ وَالْعِلْمَ، {حَكِيمٌ} فِيمَا قَسَّمَ بَيْنَ عِبَادِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، لِعَلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ.

وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مِنْهُمْ {مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ} أَيْ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ {مَغْرَمًا} أَيْ: غَرَامَةً وَخَسَارَةً، {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ} أَيْ: يَنْتَظِرُ بِكُمُ (٥) الْحَوَادِثَ وَالْآفَاتِ، {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} أَيْ: هِيَ مُنْعَكِسَةٌ عَلَيْهِمْ وَالسَّوْءُ دَائِرٌ عَلَيْهِمْ، {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أَيْ: سَمِيعٌ لِدُعَاءِ عِبَادِهِ، عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ النَّصْرَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْخُذْلَانَ.

وَقَوْلُهُ: {وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْمَمْدُوحُ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ مَا يُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قُرْبَةً يَتَقَرَّبُونَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَيَبْتَغُونَ بِذَلِكَ دُعَاءَ الرَّسُولِ لَهُمْ، {أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ} أَيْ: أَلَا إِنَّ ذَلِكَ حَاصِلٌ لَهُمْ، {سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}


(١) المسند (١/٣٥٧) وسنن أبي داود برقم (٢٨٥٩) وسنن الترمذي برقم (٢٢٥٦) وسنن النسائي (٧/١٩٥) .
(٢) رواه النسائي في السنن (٦/٢٧٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) زيادة من ت، ك، أ.
(٤) صحيح مسلم برقم (٢٣١٧) .
(٥) في ت، ك، أ: "لهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>