للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعاصم بن عُمَر بن قتادة وغيرهم، قالوا: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَعْنِي: مِنْ تَبُوكَ -حَتَّى نَزَلَ بِذِي أَوَانٍ -بَلَدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ -وَكَانَ أَصْحَابُ مَسْجِدِ الضِّرَارِ قَدْ كَانُوا أَتَوْهُ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ إِلَى تَبُوكَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ، وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ، وَاللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنَا فَتُصِلِّيَ لَنَا فِيهِ. فَقَالَ: "إِنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفر وَحَالِ شُغل -أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَلَوْ قَدْ قَدِمْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَتَيْنَاكُمْ فَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ". فَلَمَّا نَزَلَ بِذِي أَوَانٍ أَتَاهُ خبرُ الْمَسْجِدِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِكَ بْنَ الدُّخْشُم أَخَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَمَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ -أَوْ: أَخَاهُ عَامِرِ بْنِ عَدِيٍّ -أَخَا بَلْعِجْلَانَ فَقَالَ: "انْطَلِقَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ، فَاهْدِمَاهُ وَحَرِّقَاهُ". فَخَرَجَا سَرِيعَيْنِ حَتَّى أَتَيَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُمْ رَهْطُ مَالِكِ بْنِ الدُّخْشُمَ، فَقَالَ مَالِكٌ لِمَعْنٍ: أَنْظِرْنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكَ بِنَارٍ مِنْ أَهْلِي. فَدَخَلَ أَهْلَهُ فَأَخَذَ سَعَفا مِنَ النَّخْلِ، فَأَشْعَلَ فِيهِ نَارًا، ثُمَّ خَرَجَا يَشتدَّان حَتَّى دَخَلَا الْمَسْجِدَ وَفِيهِ أَهْلُهُ، فَحَرَقَاهُ وَهَدَمَاهُ وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ. وَنَزَلَ فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ مَا نَزَلَ: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا} إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. وَكَانَ الَّذِينَ بَنَوْهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا خُذَامُ بْنُ خَالِدٍ، مِنْ بَنِي عُبَيد بْنِ زَيْدٍ، أَحَدُ (١) بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمِنْ دَارِهِ أُخْرِجَ مَسْجِدُ الشِّقَاقِ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ وَهُوَ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، ومعتِّب بْنُ قُشير، مِنْ [بَنِي] (٢) ضُبَيعة بْنِ زَيْدٍ، وَأَبُو حَبِيبَةَ بْنُ الْأَذْعَرِ، مِنْ بَنِي ضُبَيعة بْنِ زَيْدٍ، وعَبَّاد بْنُ حُنَيف، أَخُو سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَجَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَابْنَاهُ: مُجَمِّع بْنُ جَارِيَةَ، وَزَيْدُ بْنُ جَارِيَةَ ونَبْتَل [بْنُ] (٣) الْحَارِثِ، وَهُمْ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَبَحْزَجٌ وَهُوَ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَبِجَادُ بْنُ عُثمان وَهُوَ مِنْ بَنِي ضُبَيعة، [وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ] (٤) رَهْطُ أَبِي لَبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ. (٥)

وَقَوْلُهُ: {وَلَيَحْلِفُنَّ} أَيْ: الَّذِينَ بَنَوْهُ {إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى} أَيْ: مَا أَرَدْنَاهُ بِبُنْيَانِهِ إِلَّا خَيْرًا وَرِفْقًا بِالنَّاسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أَيْ: فِيمَا قَصَدُوا وَفِيمَا نوَوا، وَإِنَّمَا بَنُوهُ ضِرارا لِمَسْجِدِ قُباء، وَكَفْرًا بِاللَّهِ، وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَهُوَ أَبُو عَامِرٍ الْفَاسِقُ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ: "الرَّاهِبُ" لَعَنَهُ اللَّهُ.

وَقَوْلُهُ: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} نَهْيٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَالْأُمَّةُ تَبَع لَهُ فِي ذَلِكَ، عَنْ أَنْ يَقُومَ فِيهِ، أَيْ: يُصَلِّي فِيهِ أَبَدًا.

ثُمَّ حَثَّهُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ قُباء الَّذِي أُسِّسَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ بِنَائِهِ عَلَى التَّقْوَى، وَهِيَ طَاعَةُ اللَّهِ، وَطَاعَةُ رَسُولِهِ، وَجَمْعًا لِكَلِمَةِ الْمُؤْمِنِينَ ومَعقلا وَمَوْئِلًا لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} وَالسِّيَاقُ إِنَّمَا هُوَ فِي مَعْرِضِ مسجد قباء؛ ولهذا جاء


(١) في أ: "جد".
(٢) زيادة من ت، أ، وابن هشام.
(٣) زيادة من ت، أ، وابن هشام.
(٤) زيادة من ت، أ، وابن هشام.
(٥) السيرة النبوية لابن هشام (٢/٥٣٠) ورواه الطبري في تفسيره (١٤/٤٦٨) . وانظر الكلام على هذه الرواية وتفنيدها في كتاب الفاضل: عداب الحمش "ثعلبة بن حاطب المفترى عليه (ص ١٣٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>