للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذَا نعتُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اشْتَرَى اللَّهُ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ وَالْخِلَالِ الْجَلِيلَةِ: {التَّائِبُونَ} مِنَ الذُّنُوبِ كُلِّهَا، التَّارِكُونَ لِلْفَوَاحِشِ، {الْعَابِدُونَ} أَيْ: الْقَائِمُونَ بِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ مُحَافِظِينَ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ فَمِنْ أخَصّ الْأَقْوَالِ الْحَمْدُ (١) ؛ فَلِهَذَا قَالَ: {الْحَامِدُونَ} وَمِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ الصيامُ، وَهُوَ تَرْكُ الملاذِّ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالسِّيَاحَةِ هَاهُنَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {السَّائِحُونَ} كَمَا وَصَفَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ (٢) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَائِحَاتٍ} [التَّحْرِيمِ: ٥] أَيْ: صَائِمَاتٍ، وَكَذَا الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَهُمَا عِبَارَةٌ عَنِ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ: {الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ} وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَنْفَعُونَ خَلْقَ اللَّهِ، وَيُرْشِدُونَهُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِأَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، مَعَ الْعِلْمِ بِمَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ وَيَجِبُ تركُه، وَهُوَ حِفْظُ حُدُودِ اللَّهِ فِي تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ، عِلْمًا وَعَمَلًا فَقَامُوا بِعِبَادَةِ الْحَقِّ وَنُصْحِ الْخُلُقِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ، وَالسَّعَادَةُ كُلُّ السَّعَادَةِ لِمَنِ اتَّصَفَ بِهِ.

[بَيَانُ (٣) أَنَّ الْمُرَادَ بِالسِّيَاحَةِ الصِّيَامُ] : (٤)

قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: {السَّائِحُونَ} الصَّائِمُونَ. وَكَذَا رُوي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلَّ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ السِّيَاحَةَ، هُمُ الصَّائِمُونَ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ، رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سياحةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الصِّيَامُ. (٥)

وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَير، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزاحم، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيينة وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّائِحِينَ: الصَّائِمُونَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: {السَّائِحُونَ} الصَّائِمُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ.

وَقَالَ أَبُو (٦) عَمْرٍو العَبْدي: {السَّائِحُونَ} الَّذِينَ يُدِيمُونَ الصِّيَامَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ نَحْوَ هَذَا، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن بَزِيع،


(١) في أ: "الحمد الله".
(٢) في ت، أ: "الرسول".
(٣) في أ: "ذكر".
(٤) زيادة من ت، ك، أ.
(٥) تفسير الطبري (١٤/٥٠٥) .
(٦) في ت: "ابن".

<<  <  ج: ص:  >  >>