للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِمَّنْ سَبَق عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِالْغَرَقِ لِكُفْرِهِ وَمُخَالَفَتِهِ أَبَاهُ نَبِيَّ اللَّهِ نُوحًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَقَدْ نَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى تَخْطِئَةِ مِنْ ذَهَبَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ ابْنَ زِنْية (١) ، وَيُحْكَى الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وعُبَيد بْنِ عُمَير، وَأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ، وَابْنِ جُرَيج، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} وَبِقَوْلِهِ: {فَخَانَتَاهمُا} [التَّحْرِيمِ: ١٠] ، فَمِمَّنْ قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، احْتَجَّ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ. وَهَذَا يُحْتَمَلُ (٢) أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَا أَرَادَ الْحَسَنُ، أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ نُسِبَ إِلَيْهِ مَجَازًا، لِكَوْنِهِ كَانَ رَبِيبًا عِنْدَهُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: مَا زَنَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، قَالَ: وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} أَيِ: الَّذِينَ وَعَدْتُكَ نَجَاتَهُمْ (٣) .

وقولُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ (٤) أَغْيَرُ مِنْ أَنْ يُمَكِّنَ (٥) امْرَأَةَ نَبِيٍّ مِنَ الْفَاحِشَةِ (٦) وَلِهَذَا غَضِبَ اللَّهُ عَلَى الَّذِينَ رمَوا أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ بنتَ الصِّدِّيقِ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٧) ، وَأَنْكَرَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِهَذَا وَأَشَاعُوهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} إِلَى قَوْلِهِ {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النُّورِ: ١١-١٥] .

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ ابْنُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خَالَفَهُ فِي الْعَمَلِ وَالنِّيَّةِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ: "إِنَّهُ عَمِل عَمَلًا غَيْرَ صَالِحٍ"، وَالْخِيَانَةُ تَكُونُ عَلَى غَيْرِ بَابٍ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَرَأَ بِذَلِكَ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشَب، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: "إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِح"، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ (٨) : {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} وَلَا يُبَالِي {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزُّمَرِ: ٥٣] (٩) .

وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا هَارُونُ النَّحْوِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ البُنَاني، عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشَب، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَرَأَهَا: "إِنَّهُ عَمِل غَيْرَ صَالِح" (١٠) .

أعاده أحمد أيضا في مسنده (١١) .


(١) في ت، أ: "ليس منك إنما هو ولد زنية".
(٢) في ت: "محتمل".
(٣) في ت: "بنجاتهم".
(٤) في ت: "تعالى".
(٥) في ت: "يمكن من".
(٦) في ت: "هذه الفاحشة".
(٧) في أ: "زوج النبي صلى الله عليه وسلم بالفاحشة".
(٨) في ت: "يقرأ".
(٩) المسند (٦/٤٥٤) .
(١٠) المسند (٦/٢٩٤) .
(١١) المسند (٦/٣٢٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>