للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَلَكٍ، فَيُشْرِفُ عُنُق مِنْهَا عَلَى الْخَلَائِقِ، وَتَزْفِرُ زَفْرَةً لَا (١) يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ، فَتَقُولُ: إِنِّي وَكِّلْتُ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِكَذَا وَكَذَا (٢) وَتَذْكُرُ (٣) أَصْنَافًا مِنَ النَّاسِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. ثُمَّ تَنْطَوِي (٤) عَلَيْهِمْ وَتَتَلَقَّطَهُمْ مِنَ الْمَوْقِفِ كَمَا يَتَلَقَّطُ الطَّائِرُ الْحَبَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الْفُرْقَانِ: ١٢ -١٤] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الْكَهْفِ: ٥٣] . وَقَالَ تَعَالَى: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٩، ٤٠] .

ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ تَبرُّئِ آلِهَتِهِمْ مِنْهُمْ أَحْوَجَ مَا يَكُونُونَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ} أَيِ: الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ فِي الدُّنْيَا، {قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ} أَيْ: قَالَتْ لَهُمُ الْآلِهَةُ: كَذَبْتُمْ، مَا نَحْنُ أَمَرْنَاكُمْ (٥) بِعِبَادَتِنَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الْأَحْقَافِ: ٥، ٦] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مَرْيَمَ: ٨١، ٨٢] . وَقَالَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (٦) يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [الْعَنْكَبُوتِ: ٢٥] وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ (٧) فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} [الْكَهْفِ: ٥٢] وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.

وَقَوْلُهُ: {وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ} -قَالَ قَتَادَةُ، وَعِكْرِمَةُ: ذَلُّوا وَاسْتَسْلَمُوا يَوْمَئِذٍ، أَيِ: اسْتَسْلَمُوا لِلَّهِ جَمِيعِهِمْ، فَلَا أَحَدَ إِلَّا سَامِعٌ مُطِيعٌ، كَمَا قَالَ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} [مَرْيَمَ: ٣٨] أَيْ: مَا أَسْمَعَهُمْ وَمَا أَبْصَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ! وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: ١٢] ، وقال: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: ١١١] أَيْ: خَضَعَتْ وَذَلَّتْ وَاسْتَكَانَتْ وَأَنَابَتْ وَاسْتَسْلَمَتْ.

{وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أَيْ: ذَهَبَ وَاضْمَحَلَّ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ وَلَا مُعِينَ وَلَا مُجِيزَ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} أَيْ: عَذَابًا عَلَى كُفْرِهِمْ، وَعَذَابًا عَلَى صَدِّهِمُ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الْأَنْعَامِ: ٢٦] أَيْ: يَنْهَوْنَ النَّاسَ، عَنِ اتِّبَاعِهِ، وَيَبْتَعِدُونَ هُمْ مِنْهُ أَيْضًا {وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: ٢٦]


(١) في ف: "فلا".
(٢) في ت، ف: "وبكذا".
(٣) في ف: "ويذكر".
(٤) في ف: "ينطوي".
(٥) في ف: "نحن ما أمرناكم".
(٦) في ت: "وقال الخليل ويوم"، وفي ف: "وقال الخليل عليه السلام ويوم".
(٧) في ت، ف، أ، هـ: "وقيل ادعوا شركاءكم" والصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>