للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَكَذَا أَمَرَ رَسُولَهُ هَهُنَا (١) أَنْ يُجِيبَهُمْ فَقَالَ: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} وَهُمَا (٢) أَشَدُّ امْتِنَاعًا مِنَ الْعِظَامِ وَالرُّفَاتِ {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ}

قَالَ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هُوَ الْمَوْتُ.

وَرَوَى عَطِيَّةُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: لَوْ كُنْتُمْ مَوْتَى لَأَحْيَيْتُكُمْ. وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ.

وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّكُمْ لَوْ فَرَضْتُمْ أَنَّكُمْ لَوْ (٣) صِرْتُم مَوْتًا الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْحَيَاةِ لَأَحْيَاكُمُ اللَّهُ إِذَا شَاءَ، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ (٤) عَلَيْهِ شَيْءٌ إِذَا أَرَادَهُ.

وَقَدْ ذكر بن جَرِيرٍ [هَاهُنَا] (٥) حَدِيثَ: "يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْش أَمْلَحُ، فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ، أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُذْبَحُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ بِلَا مَوْتٍ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ بِلَا مَوْتٍ" (٦) .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} يَعْنِي: السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ.

وَفِي رِوَايَةٍ: مَا شِئْتُمْ فَكُونُوا، فَسَيُعِيدُكُمُ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِكُمْ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَرْوِيِّ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ مَالِكٌ: وَيَقُولُونَ: هُوَ الْمَوْتُ.

وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] (٧) {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا} أَيْ: مَنْ يُعِيدُنَا إِذَا كُنَّا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا آخَرَ شَدِيدًا {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أَيِ: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا مَذْكُورًا، ثُمَّ صِرْتُمْ بَشَرًا تَنْتَشِرُونَ؛ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِكُمْ وَلَوْ صِرْتُمْ إِلَى أَيِّ حَالٍ {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الرُّومِ: ٢٧] .

وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] (٨) : {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: يُحَرِّكُونَهَا اسْتِهْزَاءً.

وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ هُوَ الَّذِي تَفْهَمُهُ الْعَرَبُ مِنْ لُغَاتِهَا؛ لِأَنَّ (٩) الْإِنْغَاضَ هُوَ: التَّحَرُّكُ مِنْ أَسْفَلَ إِلَى أَعْلَى، أَوْ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلظَّلِيمِ -وَهُوَ وَلَدُ النَّعَامَةِ -: نَغْضًا؛ لِأَنَّهُ إِذَا مَشَى عَجل (١٠) فِي مِشْيَتِهِ وحَرَك رَأْسَهُ. وَيُقَالُ: نَغَضَت (١١) سنُه إِذَا تَحَرَّكَتْ وَارْتَفَعَتْ مِنْ مَنْبَتها؛ قَالَ: الرَّاجِزُ (١٢) .

ونَغَضَتْ مِنْ هَرَم أَسْنَانُهَا ...

وَقَوْلُهُ: {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ} إِخْبَارٌ عَنْهُ بِالِاسْتِبْعَادِ مِنْهُمْ لِوُقُوعِ (١٣) ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الملك: ٢٥]


(١) في ف: "هنا".
(٢) في ف: "إذا هما".
(٣) في ف: "قد".
(٤) في ت: "إذا شاء فلا".
(٥) زيادة من أ.
(٦) تفسير الطبري (١٥/٦٩) من طريق العوفيين عن ابن عمر، رضي الله عنه، وإسناده مسلسل بالضعفاء وأصله في صحيح مسلم برقم (٢٨٤٩) من جديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه.
(٧) زيادة من ت.
(٨) زيادة من ت.
(٩) في ت، ف: "فإن".
(١٠) في ت، ف: "أعجل".
(١١) في ت: "نغض".
(١٢) الرجز في تفسير الطبري (١٥/٧٠) .
(١٣) في ت: "وقوع".

<<  <  ج: ص:  >  >>