للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٥)﴾.

يقول تعالى منكرًا على الكفار في صَدّهم المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام، وقضاء مناسكهم فيه، ودعواهم أنهم أولياؤه: ﴿وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٣٤].

وفي هذه الآية دليل [على] (١) أنها مدنية، كما قال في سورة "البقرة": ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢١٧]، وقال: هاهنا: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أي: ومن صفتهم مع كفرهم أنهم يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام، أي: ويصدون عن المسجد الحرام من أراده من المؤمنين الذين هم أحق الناس به في نفس الأمر، وهذا التركيب في هذه الآية كقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: ٢٨] أي: ومن صفتهم أنهم تطمئن قلوبهم بذكر الله.

وقوله: (الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) [أي: يمنعون الناس عن الوصول إلى المسجد الحرام، وقد جعله الله شرعا سواء، لا فرق فيه بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار منه، (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ)] (٢) ومن ذلك استواء الناس في رباع مكة وسكناها، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) قال: ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام.

وقال مجاهد [في قوله] (٣): (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ): أهل مكة وغيرهم فيه سواء في المنازل. وكذا قال أبو صالح، وعبد الرحمن بن سابط، وعبد الرحمن بن زيد [بن أسلم] (٤).

وقال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن قتادة: سواء فيه أهله وغير أهله.

وهذه المسألة اختلف فيها الشافعي وإسحاق بن راهَويه بمسجد الخِيف، وأحمد بن حنبل حاضر (٥) أيضًا، فذهب الشافعي، (٦) إلى أن رباع مكة تملك وتورث وتؤجر، واحتج بحديث الزهري، عن علي بن الحُسَين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، أتنزل غدًا في دارك (٧) بمكة؟ فقال: "وهل ترك لنا عَقيل من رباع". ثم قال: "لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر". وهذا الحديث مُخَرّج في الصحيحين (٨) [وبما ثبت أن عمر بن الخطاب اشترى من صفوان بن أمية دارا بمكة، فجعلها سجنا بأربعة آلاف درهم. وبه قال طاوس، وعمرو بن دينار.

وذهب إسحاق بن راهَويه إلا أنها تورث ولا تؤجر. وهو مذهب طائفة من السلف، ونص عليه


(١) زيادة من ت.
(٢) زيادة من ف.
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) زيادة من أ.
(٥) في ت: "حاضرا".
(٦) في ف: ""، وفي أ: "رضي الله تعالى عنه".
(٧) في ف: "بدارك".
(٨) صحيح البخاري برقم (٦٧٦٤) وصحيح مسلم برقم (١٦١٤) من حديث أسامة بن زيد .