للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقُولُ تَعَالَى: {وَاضْرِبْ} يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ {مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فِي زَوَالِهَا وَفَنَائِهَا وَانْقِضَائِهَا {كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ} أَيْ: مَا فِيهَا مِنَ الحَبّ، فَشَبَّ وَحَسُنَ، وَعَلَاهُ (١) الزَّهْرُ وَالنَّوْرُ وَالنُّضْرَةُ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا} يَابِسًا {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} أَيْ: تُفَرِّقُهُ وَتَطْرَحُهُ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ (٢) {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} أَيْ: هُوَ قَادِرٌ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، وَهَذِهِ الْحَالِ (٣) وَكَثِيرًا مَا يَضْرِبُ اللَّهُ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِهَذَا الْمَثَلِ كَمَا فِي سُورَةِ يُونُسَ: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ} الْآيَةَ [يُونُسَ:٢٤] ، وَقَالَ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ} [الزُّمَرِ:٢١] ، وَقَالَ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الْحَدِيدِ:٢٠] .

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ" (٤)

وَقَوْلُهُ: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} كَقَوْلِهِ {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آلِ عِمْرَانَ:١٤] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التَّغَابُنِ:١٥] أَيْ: الْإِقْبَالُ عَلَيْهِ وَالتَّفَرُّغُ لِعِبَادَتِهِ، خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ اشْتِغَالِكُمْ بِهِمْ وَالْجَمْعِ لَهُمْ، وَالشَّفَقَةِ الْمُفْرِطَةِ عَلَيْهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: "الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ" الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ.

وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ" سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ.

وَهَكَذَا سُئل أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عنه، عَنْ: "الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ" مَا هِيَ؟ فَقَالَ: هِيَ (٥) لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لله، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.

رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيْوَة، أَنْبَأَنَا أَبُو عَقِيلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ الْحَارِثَ مَوْلَى عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: جَلَسَ عُثْمَانُ يَوْمًا وَجَلَسْنَا مَعَهُ، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ، أَظُنُّهُ أَنَّهُ سَيَكُونُ فِيهِ مُد، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى (٦) صَلَاةَ الظُّهْرِ، غُفر لَهُ مَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصُّبْحِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيَّنَهَا وَبَيْنَ الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ غُفر لَهُ مَا بَيَّنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ، ثُمَّ صَلَّى العشاء غُفر له ما


(١) في ت: "وعلا".
(٢) في ت: "ذات يمين وذات شمال".
(٣) في ت: "هذه الحالة وهذه الحالة".
(٤) سبق تخريجه عند تفسير الآية الثامنة من هذه السورة.
(٥) في ت: "هن".
(٦) في ت، ف: "يصلى".

<<  <  ج: ص:  >  >>