للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَقْبَلَتْ إِلَيْهِمْ سَحَابَةٌ أَظَلَّتْهُمْ، فَجَعَلُوا يَنْطَلِقُونَ إِلَيْهَا يَسْتَظِلُّونَ بِظِلِّهَا مِنَ الْحَرِّ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا [كُلُّهُمْ] (١) تَحْتَهَا أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنْهَا شَرَرًا مِنْ نَارٍ، وَلَهَبًا وَوَهَجًا عَظِيمًا، وَرَجَفَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ وَجَاءَتْهُمْ صَيْحَةٌ عَظِيمَةٌ أَزْهَقَتْ أَرْوَاحَهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} .

وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى صِفَةَ إِهْلَاكِهِمْ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ (٢) كُلُّ مَوْطِنٍ بِصِفَةٍ تُنَاسِبُ ذَلِكَ السِّيَاقَ، فَفِي الْأَعْرَافِ ذَكَرَ أَنَّهُمْ أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الْأَعْرَافِ:٨٨] ، فَأَرْجَفُوا بِنَبِيِّ اللَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَهُ، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ. وَفِي سُورَةِ هُودٍ قَالَ: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} [هُودٍ:٩٤] ؛ وذلك لأنهم استهزؤوا بِنَبِيِّ اللَّهِ فِي قَوْلِهِمْ: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هُودٍ:٨٧] . قَالُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ وَالِازْدِرَاءِ، فَنَاسَبَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ صَيْحَةٌ تُسْكِتُهُمْ، فَقَالَ: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} (٣) وَهَاهُنَا قَالُوا: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} عَلَى وَجْهِ التَّعَنُّتِ وَالْعِنَادِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَحِقَّ عَلَيْهِمْ مَا اسْتَبْعَدُوا وُقُوعَهُ.

{فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} .

قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ (٤) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ سَلَّطَ عَلَيْهِمُ الْحَرَّ سَبْعَةَ أَيَّامٍ حَتَّى مَا يُظِلُّهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَنْشَأَ لَهُمْ سَحَابَةً، فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا أَحَدُهُمْ وَاسْتَظَلَّ (٥) بِهَا، فَأَصَابَ تَحْتَهَا بَرْدًا وَرَاحَةً، فَأَعْلَمَ بِذَلِكَ قَوْمَهُ، فَأَتَوْهَا جَمِيعًا، فَاسْتَظَلُّوا تَحْتَهَا، فأجَّجتْ عَلَيْهِمْ نَارًا.

وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ الظُّلَّةَ، حَتَّى إِذَا اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ، كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الظُّلَّةَ، وَأَحْمَى عَلَيْهِمُ الشَّمْسَ، فَاحْتَرَقُوا كَمَا يَحْتَرِقُ الْجَرَادُ فِي الَمقْلَى.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظيّ: إِنَّ أَهْلَ مَدْيَنَ عُذِّبُوا بِثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ مِنَ الْعَذَابِ: أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فِي دَارِهِمْ حَتَّى خَرَجُوا مِنْهَا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْهَا أَصَابَهُمْ فَزَعٌ شَدِيدٌ، فَفَرقُوا أَنْ يَدْخُلُوا إِلَى الْبُيُوتِ فَتَسْقُطَ عَلَيْهِمْ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الظُّلَّةَ، فَدَخَلَ تَحْتَهَا رَجُلٌ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ ظِلًّا (٦) أَطْيَبَ وَلَا أَبْرَدَ مِنْ هَذَا. هَلُمُّوا أَيُّهَا النَّاسُ. فَدَخَلُوا جَمِيعًا تَحْتَ الظُّلَّةِ، فَصَاحَ بِهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً، فَمَاتُوا جَمِيعًا. ثُمَّ تَلَا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، حَدَّثَنِي الْحَسَنُ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ -أَخُو حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ -حَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ (٧) حَدَّثَنِي يَزِيدُ الْبَاهِلِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ عليهم وَمَدَةً (٨) وحرا شديدا، فأخذ


(١) زيادة من ف، أ.
(٢) في أ: "مواضع".
(٣) في ف: "فأخذتهم الصيحة".
(٤) في ف، أ: "عمرو".
(٥) في ف، أ: "فاستظل".
(٦) في ف: "ما رأيت ظلا كاليوم"
(٧) في أ: "ضفيرة".
(٨) في ف، أ: "رعدة".

<<  <  ج: ص:  >  >>