للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهِرْمَا، وَهُرَيْمٌ، وَدَابٌ، وَصَوَابٌ، وَرِيَابٌ، وَمِسْطَعٌ، وَقَدَارُ بْنُ سَالِفٍ عَاقِرُ النَّاقَةِ، أَيِ: الَّذِي بَاشَرَ ذَلِكَ بِيَدِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [الْقَمَرِ: ٢٩] ، وَقَالَ تَعَالَى {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشَّمْسِ: ١٢] .

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ رَبِيعَةَ الصَّنْعَانِيُّ، سَمِعْتُ عَطَاءً -هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ -يَقُولُ: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} قَالَ: كَانُوا يَقْرِضُونَ الدَّرَاهِمَ (١) ، يَعْنِي: أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْهَا، وَكَأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهَا عَدَدًا، كَمَا كَانَ الْعَرَبُ يَتَعَامَلُونَ.

وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَطْع الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ (٢) .

وَفِي الْحَدِيثِ -الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرِهِ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةِ بَيْنَهُمْ إِلَّا مِنْ بَأْسٍ (٣) .

وَالْغَرَضُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةَ الْفَسَقَةَ، كَانَ مِنْ صِفَاتِهِمُ الْإِفْسَادُ فِي الْأَرْضِ بِكُلِّ طَرِيقٍ يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا، فَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} أَيْ: تَحَالَفُوا وَتَبَايَعُوا عَلَى قَتْلِ نَبِيِّ اللَّهِ صَالِحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَنْ لَقِيَهُ لَيْلًا غِيلَةً. فَكَادَهُمُ اللَّهُ، وَجَعَلَ الدَّائِرَةَ عَلَيْهِمْ.

قَالَ مُجَاهِدٌ: تَقَاسَمُوا وَتَحَالَفُوا (٤) عَلَى هَلَاكِهِ، فَلَمْ يَصِلُوا إِلَيْهِ حَتَّى هَلَكُوا وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: تَوَافَقُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذُوهُ لَيْلًا فَيَقْتُلُوهُ، وَذَكَرَ لَنَا أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ مَعَانيق إِلَى صَالِحٍ لِيَفْتِكُوا بِهِ، إِذْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَخْرَةً فَأَهْمَدَتْهُمْ.

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُمُ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ، قَالُوا حِينَ عَقَرُوهَا: نُبَيِّت صَالِحًا [وَأَهْلَهُ] (٥) وَقَوْمَهُ فَنَقْتُلُهُمْ، ثُمَّ نَقُولُ لِأَوْلِيَاءِ صَالِحٍ: مَا شَهِدْنَا مِنْ هَذَا شَيْئًا، وَمَا لَنَا بِهِ مِنْ عِلْمٍ. فَدَمَّرَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ هَؤُلَاءِ التِّسْعَةُ بَعْدَمَا عَقَرُوا النَّاقَةَ: هَلُم فَلْنَقْتُلْ صَالِحًا، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا عَجَّلْنَاهُ قَبْلَنَا، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا كُنَّا قَدْ أَلْحَقْنَاهُ بِنَاقَتِهِ! فَأَتَوْهُ لَيْلًا ليبيِّتوه فِي أَهْلِهِ، فَدَمْغَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِالْحِجَارَةِ، فَلَمَّا أَبَطَؤُوا عَلَى أَصْحَابِهِمْ، أَتَوْا مَنزل صَالِحٍ، فَوَجَدُوهُمْ مُنْشَدِخِينَ قَدْ رُضِخُوا بِالْحِجَارَةِ، فَقَالُوا لِصَالِحٍ: أَنْتَ قَتَلْتَهُمْ، ثُمَّ هَمُّوا بِهِ، فَقَامَتْ عَشِيرَتُهُ دُونَهُ، وَلَبِسُوا السِّلَاحَ، وَقَالُوا لَهُمْ: وَاللَّهِ لَا تَقْتُلُونَهُ أَبَدًا، وَقَدْ وَعَدَكُمْ أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِكُمْ فِي ثَلَاثٍ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا تَزِيدُوا رَبَّكُمْ عَلَيْكُمْ غَضَبًا، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَنْتُمْ مِنْ وَرَاءِ مَا تُرِيدُونَ. فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك.


(١) تفسير عبد الرزاق (٢/٧٠) .
(٢) الموطأ (٢/٦٣٥) .
(٣) سنن أبي داود برقم (٣٤٤٩) .
(٤) في ف: "تحالفوا".
(٥) زيادة من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>