للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَوْتَى. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حُدثت عَنِ الْمِنْجَابِ. فَذَكَرَهُ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَ ذَلِكَ. [وَنَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ -أَيْضًا-قَالَ: وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ] (١) .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح: الرُّوحُ هُوَ حَفَظَةٌ عَلَى الْمَلَائِكَةِ.

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: الْقُدْسُ هُوَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَهُوَ قَوْلُ كَعْبٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْقُدْسُ: الْبَرَكَةُ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْقُدْسُ: الطُّهْرُ.

[وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا الْقُدُسُ: هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَرُوحُهُ: جِبْرِيلُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ] (٢) .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ (٣) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} قَالَ: أَيَّدَ اللَّهُ عِيسَى بِالْإِنْجِيلِ رُوحًا كَمَا جَعَلَ الْقُرْآنَ رُوحًا، كِلَاهُمَا رُوحٌ مِنَ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشُّورَى: ٥٢] .

ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قولُ مَنْ قَالَ: الرُّوحُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جِبْرِيلُ، لِأَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَخْبَرَ أَنَّهُ أَيَّدَ عِيسَى بِهِ، كَمَا أَخْبَرَ فِي قَوْلِهِ: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ} الْآيَةَ [الْمَائِدَةِ: ١١٠] . فَذَكَرَ أَنَّهُ أَيَّدَهُ بِهِ، فَلَوْ كَانَ الرُّوحُ الذِي أَيَّدَهُ بِهِ هُوَ الْإِنْجِيلُ، لَكَانَ قَوْلُهُ: {إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ} تَكْرِيرُ قَوْلٍ لَا مَعْنَى لَهُ، وَاللَّهُ أَعَزُّ أَنْ يُخَاطِبَ عِبَادَهُ بِمَا لَا يُفِيدُهُمْ بِهِ.

قُلْتُ: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ جِبْرِيلُ مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السِّيَاقِ؛ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (٤) .

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ {بِرُوحِ الْقُدُسِ} بِالرُّوحِ الْمُقَدَّسَةِ، كَمَا يَقُولُ: حَاتِمُ الْجُودِ وَرَجُلُ صِدْقٍ وَوَصْفُهَا بِالْقُدُسِ كَمَا قَالَ: {وَرُوحٌ مِنْهُ} فَوَصْفُهُ بِالِاخْتِصَاصِ وَالتَّقْرِيبِ تَكْرِمَةٌ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمْ تَضُمَّهُ الْأَصْلَابُ وَالْأَرْحَامُ الطَّوَامِثُ، وَقِيلَ: بِجِبْرِيلَ، وَقِيلَ: بِالْإِنْجِيلِ، كَمَا قَالَ فِي الْقُرْآنِ: {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشُّورَى: ٥٢] وَقِيلَ بِاسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ الذِي كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى بِذِكْرِهِ، وَتَضَمَّنَ كَلَامُهُ قَوْلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ رُوحُ عِيسَى نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةُ الْمُطَهَّرَةُ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} إِنَّمَا لَمْ يَقِلْ: وَفَرِيقًا قَتَلْتُمْ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ وَصْفَهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ -أَيْضًا-لِأَنَّهُمْ حَاوَلُوا قَتْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسُّمِّ وَالسِّحْرِ، وَقَدْ قَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: "مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدُنِي فَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي"، وَهَذَا الْحَدِيثُ في صحيح البخاري وغيره (٥) .


(١) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
(٢) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
(٣) في جـ: "قال ابن أبي زيد".
(٤) في جـ، ط: "ولله الحمد والمنة".
(٥) صحيح البخاري برقم (٢٦١٧) وصحيح مسلم برقم (٢١٩٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>