للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشَّيْءَ يُعْمِي ويُصم".

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ بَقِيَّة، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مريم بِهِ (١) وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَخَذَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، الْعِجْلَ فَذَبَحَهُ ثُمَّ حَرَقَهُ بِالْمِبْرَدِ، ثُمَّ ذَرَّاهُ فِي الْبَحْرِ، فَلَمْ يَبْقَ بَحْرٌ يَجْرِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا وَقَعُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ مُوسَى: اشْرَبُوا مِنْهُ. فَشَرِبُوا، فَمَنْ كَانَ يُحِبُّهُ خَرَجَ عَلَى شَارِبَيْهِ الذَّهَبُ. فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ (٢) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَبْدٍ (٣) وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: عَمَدَ مُوسَى إِلَى الْعِجْلِ، فَوَضَعَ عَلَيْهِ الْمَبَارِدَ، فَبَرَدَهُ بِهَا، وَهُوَ عَلَى شَاطِئِ نَهَرٍ، فَمَا شَرِبَ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ مِمَّنْ كَانَ يَعْبُدُ الْعِجْلَ إِلَّا اصْفَرَّ وَجْهُهُ مِثْلُ الذَّهَبِ (٤) .

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} قَالَ: لَمَّا أُحْرِقَ الْعِجْلُ بُرِدَ ثُمَّ نُسِفَ، فَحَسَوُا الْمَاءَ حَتَّى عَادَتْ وُجُوهُهُمْ كَالزَّعْفَرَانِ.

وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ كِتَابِ الْقُشَيْرِيِّ: أَنَّهُ مَا شَرِبَ مِنْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ عَبَدَ الْعِجْلَ إِلَّا جنَّ [ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ] (٥) وَهَذَا شَيْءٌ غَيْرُ مَا هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ، أَنَّهُ ظَهَرَ النَّقِيرُ عَلَى شِفَاهِهِمْ وَوُجُوهِهِمْ، وَالْمَذْكُورُ هَاهُنَا: أَنَّهُمْ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ حُبَّ الْعِجْلِ، يَعْنِي: فِي حَالِ عِبَادَتِهِمْ لَهُ، ثُمَّ أَنْشَدَ قَوْلَ النَّابِغَةِ فِي زَوْجَتِهِ عَثْمَةَ:

تَغَلْغَلَ حُبُّ عَثْمَةَ فِي فُؤَادِي ... فَبَادِيهِ مَعَ الْخَافِي يَسِيرُ ...

تَغَلْغَلَ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْ شَرَابٌ ... وَلَا حَزَنٌ وَلَمْ يَبْلُغْ سُرُورُ ...

أَكَادُ إِذَا ذَكَرْتُ الْعَهْدَ مِنْهَا ... أَطِيرُ لَوَ انَّ إِنْسَانًا يَطِيرُ ...

وَقَوْلُهُ: {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أَيْ: بِئْسَمَا تَعْتَمِدُونَهُ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ، مِنْ كُفْرِكُمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَمُخَالَفَتِكُمُ الْأَنْبِيَاءَ، ثُمَّ اعْتِمَادِكُمْ فِي كُفْرِكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَهَذَا أَكْبَرُ ذُنُوبِكُمْ، وَأَشَدُّ الْأُمُورِ عَلَيْكُمْ-إِذْ كَفَرْتُمْ بِخَاتَمِ الرُّسُلِ وَسَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ الْمَبْعُوثِ إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَكَيْفَ تَدَّعُونَ لِأَنْفُسِكُمُ الْإِيمَانَ وَقَدْ فَعَلْتُمْ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ الْقَبِيحَةَ، مِنْ نَقْضِكُمُ الْمَوَاثِيقَ، وَكُفْرِكُمْ بِآيَاتِ الله، وعبادتكم العجل؟!


(١) المسند (٥/١٩٤) وسنن أبي داود برقم (٥١٣٠) .
(٢) في أ: "حدثنا إسماعيل".
(٣) في هـ: "عبد الله" وهو خطأ.
(٤) تفسير ابن أبي حاتم (١/٢٨٢) .
(٥) زيادة من أ، و.

<<  <  ج: ص:  >  >>