للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ قَالَ {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} أَيْ: عَدَاوَتُهُمْ [فِيمَا] (١) بَيْنَهُمْ شَدِيدَةٌ، كَمَا قَالَ: {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الْأَنْعَامِ: ٦٥] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} أَيْ: تَرَاهُمْ مُجْتَمِعِينَ فَتَحْسَبُهُمْ مُؤْتَلِفِينَ، وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ غَايَةَ الِاخْتِلَافِ.

قَالَ: إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: يَعْنِي: أَهْلَ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}

ثُمَّ قَالَ: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: [يَعْنِي] (٢) كَمَثَلِ مَا أَصَابَ كَفَّارَ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يَعْنِي: يَهُودَ بَنِي قَيْنُقَاعَ. وَكَذَا قَالَ قتادة، ومحمد ابن إِسْحَاقَ.

وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، فَإِنَّ يَهُودَ بَنِي قَيْنُقَاعَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجْلَاهُمْ قَبْلَ هَذَا.

وَقَوْلُهُ: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ} يَعْنِي: مَثَلُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ فِي اغْتِرَارِهِمْ بِالَّذِينِ وَعَدُوهُمُ النَّصْرَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَقَوْلِ الْمُنَافِقِينَ لَهُمْ: {وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ} ثُمَّ لَمَّا حَقَّتِ الْحَقَائِقُ وجَدَّ بِهِمُ الْحِصَارُ وَالْقِتَالُ، تَخَلَّوْا عَنْهُمْ وَأَسْلَمُوهُمْ لِلْهَلَكَةِ، مِثَالُهُمْ فِي هَذَا كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ (٣) سَوَّلَ لِلْإِنْسَانِ -وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ-الْكُفْرَ، فَإِذَا دَخَلَ فِيمَا سَوَّلَهُ (٤) تَبَرَّأَ مِنْهُ وَتَنَصَّلَ، وَقَالَ: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}

وقد ذكر بعضهم هاهنا قِصَّةً لِبَعْضِ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ هِيَ كَالْمِثَالِ لِهَذَا الْمَثَلِ، لَا أَنَّهَا الْمُرَادَةُ وَحْدَهَا بِالْمَثَلِ، بَلْ هِيَ مِنْهُ مَعَ غَيْرِهَا مِنَ الْوَقَائِعِ الْمُشَاكِلَةِ لَهَا، فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْل، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَهِيك قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: إِنْ رَاهِبًا تَعَبَّدَ سِتِّينَ سَنَةً، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ أَرَادَهُ فَأَعْيَاهُ، فَعَمَدَ إِلَى امْرَأَةٍ فأجنَّها وَلَهَا إِخْوَةٌ، فَقَالَ لِإِخْوَتِهَا: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقَسِّ فَيُدَاوِيَهَا. قَالَ: فَجَاءُوا بِهَا إِلَيْهِ فَدَاوَاهَا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا عِنْدَهَا إِذْ أَعْجَبَتْهُ، فَأَتَاهَا فَحَمَلَتْ، فَعَمَدَ إِلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَجَاءَ إِخْوَتُهَا، فَقَالَ الشَّيْطَانُ لِلرَّاهِبِ: أَنَا صَاحِبُكَ، إِنَّكَ أَعْيَيْتَنِي، أَنَا صَنَعْتُ هَذَا بِكَ فَأَطِعْنِي أُنَجِّكَ مِمَّا صَنَعْتُ بِكَ، فَاسْجُدْ لِي سَجْدَةً. فَسَجَدَ لَهُ، فَلَمَّا سَجَدَ لَهُ قَالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ، إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} (٥) .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} قال: كانت


(١) زيادة من م، أ.
(٢) زيادة من أ.
(٣) في م: "إذا".
(٤) في م، أ: "سوله له".
(٥) تفسير الطبري (٢٨/٣٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>