للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبي هلال، وغيرهم وتشمل ماذا (١) نشزَت الْمَرْأَةُ أَوْ بَذَت عَلَى أَهْلِ الرَّجُلِ وَآذَتْهُمْ فِي الْكَلَامِ وَالْفِعَالِ، كَمَا قَالَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَغَيْرُهُمْ.

وَقَوْلُهُ: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أَيْ: شَرَائِعُهُ وَمَحَارِمُهُ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ} أَيْ: يَخْرُجُ عَنْهَا وَيَتَجَاوَزُهَا إِلَى غَيْرِهَا وَلَا يَأْتَمِرُ بِهَا {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} أَيْ: بِفِعْلِ ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} أَيْ: إِنَّمَا أَبْقَيْنَا الْمُطْلَّقَةَ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ، لَعَلَّ الزَّوْجَ يَنْدَمُ عَلَى طَلَاقِهَا وَيَخْلُقُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ رَجْعَتَها، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَيْسَرَ وَأَسْهَلَ.

قَالَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي قَوْلِهِ: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} قَالَ: هِيَ الرَّجْعَةُ. وَكَذَا قال الشعبي، وعطاء، وقتادة، والضحاك، ومقاتل ابن حيان، والثوري. ومن هاهنا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ السَّلَفِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ، كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ السُّكْنَى لِلْمَبْتُوتَةِ، وَكَذَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَاعْتَمَدُوا أَيْضًا عَلَى حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّةِ، حِينَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَبُو عَمْرُو بْنُ حَفْصٍ آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَكَانَ غَائِبًا عَنْهَا بِالْيَمَنِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِذَلِكَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ -[يَعْنِي] (٢) نَفَقَةً-فَتَسَخَّطته فَقَالَ: وَاللَّهِ لَيْسَ لَكِ عَلَيْنَا نَفَقَةٌ. فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ". وَلِمُسْلِمٍ: وَلَا سُكْنَى، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ: "تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ" الْحَدِيثَ (٣)

وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بِلَفْظٍ آخَرَ، فَقَالَ:

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مَجَالِدٌ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَتَيْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، فَحَدَّثَتْنِي أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِعْثَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرية. قَالَتْ: فَقَالَ لِي أَخُوهُ: اخْرُجِي مِنَ الدَّارِ. فَقُلْتُ: إِنَّ لِي نَفَقَةً وَسُكْنَى حَتَّى يَحُلَّ الْأَجَلُ. قَالَ: لَا. قَالَتْ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ فُلَانًا طَلَّقَنِي، وَإِنَّ أَخَاهُ أَخْرَجَنِي وَمَنَعَنِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ، [فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ] (٤) فَقَالَ: "مَا لَكَ وَلِابْنَةِ آلِ قَيْسٍ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَخِي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جَمِيعًا. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انْظُرِي يَا بِنْتَ آلِ قَيْسٍ، إِنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى. اخْرُجِي فَانْزِلِي عَلَى فُلَانَةٍ". ثُمَّ قَالَ: "إِنَّهُ يُتحَدّث إِلَيْهَا، انْزِلِي عَلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ أَعْمَى لَا يَرَاكِ" وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ (٥)

وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّارُ التُّسْتَريّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أُخْتِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ الْقُرَشِيِّ، وَزَوْجُهَا أَبُو عمرو بن حفص بن المغيرة


(١) في م، أ: "وتشمل ما إذا".
(٢) زيادة من م.
(٣) صحيح مسلم برقم (١٤٨٠) .
(٤) زيادة من المسند.
(٥) المسند (٦/٣٧٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>