للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْجِنُّ: تَنَزَّهَ الرَّبُّ تَعَالَى جَلَالُهُ وَعَظَمَتُهُ، حِينَ أَسْلَمُوا وَآمَنُوا بِالْقُرْآنِ، عَنِ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ.

ثُمَّ قَالُوا: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: {سَفِيهُنَا} يَعْنُونَ: إِبْلِيسَ، {شَطَطًا} قَالَ السُّدِّي، عَنْ أَبِي مَالِكٍ: {شَطَطًا} أَيْ: جَوْرًا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ظُلْمًا كَبِيرًا.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ: {سَفِيهُنَا} اسْمَ جِنْسٍ لِكُلِّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لِلَّهِ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا. وَلِهَذَا قَالُوا: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا} أَيْ: قَبْلَ إِسْلَامِهِ {عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} أَيْ: بَاطِلًا وَزُورًا؛ {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} أَيْ: مَا حَسِبْنَا أَنَّ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ يَتَمَالَئُونَ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ فِي نِسْبَةِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ إِلَيْهِ. فَلَمَّا سَمِعْنَا هَذَا الْقُرْآنَ وَآمَنَّا بِهِ، عَلِمْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْذِبُونَ عَلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أَيْ: كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فَضْلًا عَلَى الْإِنْسِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعُوذُونَ بِنَا، أَيْ: إِذَا نَزَلُوا وَادِيًا أَوْ مَكَانًا مُوحِشًا مِنَ الْبَرَارِي وَغَيْرِهَا كَمَا كَانَ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي جَاهِلِيَّتِهَا. يَعُوذُونَ بِعَظِيمِ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنَ الْجَانِّ، أَنْ يُصِيبَهُمْ بِشَيْءٍ يَسُوؤُهُمْ كَمَا كَانَ أَحَدُهُمْ يَدْخُلُ بِلَادَ أَعْدَائِهِ فِي جِوَارِ رَجُلٍ كَبِيرٍ وَذِمَامِهِ وَخَفَارَتِهِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجِنُّ أَنَّ الْإِنْسَ يَعُوذُونَ (١) بِهِمْ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنْهُمْ، {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أَيْ: خَوْفًا وَإِرْهَابًا وَذُعْرًا، حَتَّى تَبْقَوْا أَشَدَّ مِنْهُمْ مَخَافَةً وَأَكْثَرَ تَعَوُّذًا بِهِمْ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أَيْ: إِثْمًا، وَازْدَادَتِ الْجِنُّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ جَرَاءَةً.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أَيِ: ازْدَادَتِ الْجِنُّ عَلَيْهِمْ جُرْأَةً.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ بِأَهْلِهِ فَيَأْتِي الْأَرْضَ فَيَنْزِلُهَا فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الْوَادِي مِنَ الْجِنِّ أَنْ أضَرّ أَنَا فِيهِ أَوْ مَالِي أَوْ وَلَدِي أَوْ مَاشِيَتِي، قَالَ: فَإِذَا عَاذَ بِهِمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، رَهقَتهم الْجِنُّ الْأَذَى عِنْدَ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سعيد يحيى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الخرِّيت، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ الْجِنُّ يَفْرَقُون مِنَ الْإِنْسِ كَمَا يفرَق الْإِنْسُ مِنْهُمْ أَوْ أَشَدَّ، وَكَانَ الْإِنْسُ إِذَا نَزَلُوا وَادِيًا هَرَبَ الْجِنُّ، فَيَقُولُ سَيِّدُ الْقَوْمِ: نَعُوذُ بِسَيِّدِ أَهْلِ هَذَا الْوَادِي.

فَقَالَ الْجِنُّ: نَرَاهُمْ يَفْرَقُونَ مِنَّا كَمَا نَفْرَقُ مِنْهُمْ. فَدَنَوْا مِنَ الْإِنْسِ فَأَصَابُوهُمْ بِالْخَبَلِ وَالْجُنُونِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعُ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: {رَهَقًا} أَيْ: خَوْفًا. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أَيْ: إِثْمًا. وَكَذَا قَالَ قتادة. وقال مجاهد: زاد الكفار طغيانا.


(١) في م: "سيعوذون".

<<  <  ج: ص:  >  >>