للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ:

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ. حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ، عَنْ شُرَيح بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنِّي لَأَرْجُو أَلَّا تَعْجَزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّهَا أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْمٍ". قِيلَ لِسَعْدٍ: وَكَمْ نِصْفُ يَوْمٍ؟ قَالَ: خَمْسُمِائَةِ عَامٍ. انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ (١)

وَقَوْلُهُ: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} هَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ} [الْبَقَرَةِ: ٢٥٥] وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَالشَّهَادَةَ، وَإِنَّهُ لَا يَطَّلِعُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا مِمَّا أَطْلَعَهُ تَعَالَى عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} وَهَذَا يَعُمُّ الرَّسُولَ الْمَلَكِيَّ وَالْبَشَرِيَّ.

ثُمَّ قَالَ: {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} أَيْ: يَخْتَصُّهُ بِمَزِيدِ مُعَقِّبَاتٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَيُسَاوِقُونَهُ عَلَى مَا مَعَهُ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا}

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الضَّمِيرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: {لِيَعْلَمَ} إِلَى مَنْ يَعُودُ؟ فَقِيلَ: إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقَمِّيَّ (٢) عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} قَالَ: أَرْبَعَةُ حَفَظَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَ جِبْرِيلَ، {لِيَعْلَمَ} مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا}

وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ الْقَمِّيِّ (٣) بِهِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ} قَالَ: لِيَعْلَمَ نَبِيُّ اللَّهِ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغَتْ عَنِ اللَّهِ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ حَفِظَتْهَا وَدَفَعَتْ عَنْهَا. وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، كَمَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} قَالَ: هِيَ مُعَقِّبَاتٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَحْفَظُونَ النَّبِيَّ مِنَ الشَّيْطَانِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ الَّذِي أُرْسِلَ بِهِ إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ، لِيَعْلَمَ أَهْلُ الشِّرْكِ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ.

وَكَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ} قَالَ: لِيَعْلَمَ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ.


(١) سنن أبي داود برقم (٤٣٥٠) ، وشريح بن عبيد لم يدرك سعد بن أبي وقاص، فهو منقطع.
(٢) في أ: "العمي".
(٣) في أ: "العمي".

<<  <  ج: ص:  >  >>