للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} هُوَ النَّهَارُ كُلُّهُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: الشَّفَقُ: الشَّمْسُ. رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى هَذَا قَرْنهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} أَيْ: جَمَعَ. كَأَنَّهُ أَقْسَمَ بِالضِّيَاءِ وَالظَّلَامِ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَقْسَمَ اللَّهُ بِالنَّهَارِ مُدْبِرًا، وَبِاللَّيْلِ مُقْبِلًا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: الشَّفَقُ اسْمٌ لِلْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ. وَقَالُوا: هُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ (١) .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: {وَمَا وَسَقَ} وَمَا جَمَعَ. قَالَ قَتَادَةُ: وَمَا جَمَعَ مِنْ نَجْمٍ وَدَابَّةٍ. وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: (٢)

مُستَوسقات لَوْ تَجِدْنَ سَائقا ...

قَدْ قَالَ عِكْرِمَةُ: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} يَقُولُ: مَا سَاقَ مِنْ ظُلْمَةٍ، إِذَا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ كُلُّ شَيْءٍ إِلَى مَأْوَاهُ.

وَقَوْلُهُ: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا اجْتَمَعَ وَاسْتَوَى. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمَسْرُوقٌ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ زَيْدٍ.

{وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} إِذَا اسْتَوَى. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا اجْتَمَعَ، إِذَا امْتَلَأَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا اسْتَدَارَ.

وَمَعْنَى كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ إِذَا تَكَامَلَ نُورُهُ وَأَبْدَرَ، جَعَلَهُ مُقَابِلًا لِلَّيْلِ وَمَا وَسَقَ.

وَقَوْلُهُ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ، أَخْبَرَنَا هُشَيم، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} حَالًا بَعْدَ حَالٍ-قَالَ هَذَا نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ (٣) ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْنَدَ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: "نَبِيُّكُمْ" مَرْفُوعًا عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ مِنْ "قَالَ" وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَمَا قَالَ أَنَسٌ: لَا يَأْتِي عَامٍ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْم، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قَالَ: يَعْنِي نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: حَالًا بَعْدَ حَالٍ. وَهَذَا لَفْظُهُ (٤) .


(١) تفسير الطبري (٣٠/٧٦) .
(٢) البيت في تفسير الطبري (٣٠/٧٦) وقد ذكره المبرد في الكامل: إن لنا قلائصا حقائقا ... مستوسقات لو يجدن سائقا
وهو منسوب لابن صرمة.
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٩٤٠) .
(٤) تفسير الطبري (٣٠/٧٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>