للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ: {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} أَيْ: كُنْتَ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ، فَأَغْنَاكَ اللَّهُ عَمَّنْ سِوَاهُ، فَجَمَعَ لَهُ بَيْنَ مَقَامَيِ، الْفَقِيرِ الصَّابِرِ وَالْغَنِيِّ الشَّاكِرِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ مَنَازِلَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ -مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ-عَنْ مَعْمَر، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبّه قَالَ: هَذَا مَا حَدّثنا أَبُو هُرَيرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَض، وَلَكِنَّ (١) الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ" (٢) .

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، ورُزق كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ (٣) اللَّهُ بِمَا آتَاهُ" (٤) .

ثُمَّ قَالَ: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} أَيْ: كَمَا كُنْتَ يَتِيمًا فَآوَاكَ اللَّهُ فَلَا تَقْهَرِ الْيَتِيمَ، أَيْ: لَا تُذِلَّهُ وَتَنْهَرْهُ وَتُهِنْهُ، وَلَكِنْ أحسِنْ إِلَيْهِ، وَتَلَطَّفْ بِهِ.

قَالَ قَتَادَةُ: كُنْ لِلْيَتِيمِ كَالْأَبِ الرَّحِيمِ.

{وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} أَيْ: وَكَمَا كُنْتَ ضَالًّا فَهَدَاكَ اللَّهُ، فَلَا تَنْهَرِ السَّائِلَ فِي الْعِلْمِ الْمُسْتَرْشِدَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} أَيْ: فَلَا تَكُنْ جَبَّارًا، وَلَا مُتَكَبِّرًا، وَلَا فَحَّاشا، وَلَا فَظّا عَلَى الضُّعَفَاءِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي رَد الْمِسْكِينَ بِرَحْمَةٍ وَلِينٍ.

{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} أَيْ: وَكَمَا كُنْتَ عَائِلًا فَقِيرًا فَأَغْنَاكَ اللَّهُ، فَحَدِّثْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ، كَمَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ النَّبَوِيِّ: "وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ (٥) مُثْنِينَ بِهَا، قَابِلِيهَا، وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا".

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَية، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ الجُرَيري، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ أَنَّ مِنْ شُكْرِ النِّعَمِ أَنْ يُحَدَّثَ بِهَا.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَليح، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ، لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ. وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شَكْرٌ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ. والجماعة رحمة، والفرقة عذاب" (٦) إسناد ضعيف.


(١) في م: "وإنما".
(٢) لم أقع عليه في الصحيحين من هذا الطريق، وقد جاء فيهما من طرق أخر عن أبي هريرة، انظر: صحيح البخاري برقم (٦٤٤٦) وصحيح مسلم برقم (١٠٥١) .
(٣) في أ: "ومتعه".
(٤) صحيح مسلم برقم (١٠٥٤) .
(٥) في أ: "لنعمك".
(٦) زوائد المسند (٤/٢٧٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>