للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُمْ يَجْنُبُونَ (١) ويُحدثون. قَالَ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْهُمْ، فَقَالَ: هُمُ الْعَاكِفُونَ.

[وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ] (٢) .

قُلْتُ: وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ ابْنَ عمرَ كَانَ يَنَامُ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَزَب (٣) .

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} فَقَالَ وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} قَالَ: إِذَا كَانَ مُصَلِّيًا فَهُوَ مِنَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ. وَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ.

وَقَالَ ابْنُ جَرير رَحِمَهُ اللَّهُ: فَمَعْنَى الْآيَةِ: وأمَرْنا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بِتَطْهِيرِ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ. وَالتَّطْهِيرُ الذِي أَمَرَهُمَا بِهِ فِي الْبَيْتِ هُوَ تطهيرُه مِنَ الْأَصْنَامِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فِيهِ وَمِنَ الشِّرْكِ. ثُمَّ أَوْرَدَ سُؤَالًا فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ كَانَ قَبْلَ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ الْبَيْتِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الذِي أُمِرَ بِتَطْهِيرِهِ مِنْهُ؟ وَأَجَابَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَمَرَهُمَا بِتَطْهِيرِهِ مِمَّا كَانَ يُعْبَدُ عِنْدَهُ زَمَان قَوْمِ نُوحٍ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ لِيَكُونَ ذَلِكَ سُنَّة لِمَنْ بَعْدَهُمَا إِذْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ إِبْرَاهِيمَ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ كَمَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} قَالَ: مِنَ الْأَصْنَامِ التِي يَعْبُدُونَ، التِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُعَظِّمُونَهَا.

قُلْتُ: وَهَذَا الْجَوَابُ مُفَرَّع عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعْبَدُ عِنْدَهُ أَصْنَامٌ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَحْتَاجُ إِثْبَاتُ هَذَا إِلَى دَلِيلٍ عَنِ الْمَعْصُومِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ أَمَرَهُمَا أَنْ يُخْلِصَا [فِي] (٤) بِنَائِهِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَيَبْنِيَاهُ مُطَهَّرًا مِنَ الشِّرْكِ والرَّيْب، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} [التَّوْبَةِ: ١٠٩] قَالَ: فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} أَيِ: ابْنِيَا بَيْتِي عَلَى طُهْرٍ مِنَ الشِّرْكِ بِي وَالرَّيْبِ، كَمَا قَالَ السُّدِّيُّ: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} ابْنِيَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ.

وَمُلَخَّصُ هَذَا الْجَوَابِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، أَنْ يَبْنِيَا الْكَعْبَةَ عَلَى اسْمِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لِلطَّائِفِينَ بِهِ وَالْعَاكِفِينَ عِنْدَهُ، وَالْمُصَلِّينَ إِلَيْهِ مِنَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} الْآيَاتِ [الْحَجِّ: ٢٦ -٣٧] .

[وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ، الصَّلَاةُ عِنْدَ الْبَيْتِ أَوِ الطَّوَافُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: الطَّوَافُ بِهِ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مُطْلَقًا، وَتَوْجِيهُ كُلٍّ مِنْهُمَا يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الأحكام] (٥) .


(١) في جـ: "فإنهم يخبثون".
(٢) زيادة من و.
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٤٠) .
(٤) زيادة من جـ، ط، أ، و.
(٥) زيادة من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>