للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} قِيلَ: فِي عَدَمِ الضِّرَارِ لِقَرِيبِهِ (١) قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى وَالِدِ الطِّفْلِ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى وَالِدَةِ الطِّفْلِ، وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا وَعَدَمِ الْإِضْرَارِ بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَدِ اسْتَقْصَى ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ إِلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَجُمْهُورِ السَّلَفِ، وَيُرَشَّحُ ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمرة مَرْفُوعًا: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عُتِق عَلَيْهِ (٢) .

وَقَدْ ذُكر أَنَّ الرَّضَاعَةَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ رُبَّمَا ضَرَّتِ (٣) الْوَلَدَ إِمَّا فِي بَدَنِهِ أَوْ عَقْلِهِ، وَقَدْ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً تُرضع بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ. فَقَالَ: لَا تُرْضِعِيهِ.

وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} أَيْ: فَإِنِ اتَّفَقَا وَالِدَا الطِّفْلِ عَلَى فِطَامِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، وَرَأَيَا فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُ، وَتَشَاوَرَا فِي ذَلِكَ، وَأَجْمَعَا (٤) عَلَيْهِ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ، فيؤْخَذُ مِنْهُ: أَنَّ انْفِرَادَ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ دُونَ الْآخَرِ لَا يَكْفِي، وَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْتَبِدَّ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُشَاوِرَةِ الْآخَرِ، قَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا فِيهِ احْتِيَاطٌ لِلطِّفْلِ، وَإِلْزَامٌ لِلنَّظَرِ فِي أَمْرِهِ، وَهُوَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ (٥) بِعِبَادِهِ، حَيْثُ حَجَرَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فِي تَرْبِيَةِ طِفْلِهِمَا وَأَرْشَدَهُمَا إِلَى مَا يُصْلِحُهُ وَيُصْلِحُهُمَا كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطَّلَاقِ:٦] .

وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} أَيْ: إِذَا اتَّفَقَتِ الْوَالِدَةُ وَالْوَالِدُ عَلَى أَنْ يَتَسَلَّمَ مِنْهَا الْوَلَدَ (٦) إِمَّا لِعُذْرٍ مِنْهَا، أَوْ عُذْرٍ لَهُ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي بَذْلِهِ، وَلَا عَلَيْهِ فِي قَبُولِهِ مِنْهَا إِذَا سَلَّمَهَا أُجْرَتَهَا الْمَاضِيَةَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَاسْتَرْضَعَ لِوَلَدِهِ غَيْرَهَا بِالْأُجْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ.

وَقَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أَيْ: فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أَيْ: فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ من أحوالكم وأقوالكم.


(١) في أ: "بقرينه"، وفي و: "بقريبه".
(٢) رواه أبو داود في السنن برقم (٣٩٤٩) والترمذي في السنن برقم (١٣٦٥) من طريق عاصم الأحول عن الحسن به، وقال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه مسندا إلا من حديث حماد بن سلمة، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن قتادة عن الحسن، عن عمر شيئا من هذا"، ولفظه عندهما: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر".
(٣) في أ: "جزت".
(٤) في جـ، أ: "واجتمعا".
(٥) في جـ: "من رحمه الله تعالى".
(٦) في أ، و: "الولد ويسترضع له غيرها".

<<  <  ج: ص:  >  >>