للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي فَضَائِلِ الْفَاتِحَةِ، مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده جِبْرِيلُ؛ إِذْ سَمِعَ نَقِيضًا فَوْقَهُ، فَرَفَعَ جِبْرِيلُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: هَذَا بَابٌ قَدْ فُتِحَ مِنَ السَّمَاءِ مَا فُتِح قَط. قَالَ: فنزل منه مَلَك، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أبشر بنورين قد أوتيتهما، لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ حَرْفًا مِنْهُمَا إِلَّا أُوتِيتُهُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، وَهَذَا لَفْظُهُ (١) .

[الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا أَيْفَعُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكُلَاعِيُّ (٢) قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "آيَةُ الْكُرْسِيِّ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قَالَ: فَأَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تُحِبُّ أَنْ تُصِيبَكَ وَأُمَّتَكَ؟ قَالَ: "آخِرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَلَمْ يَتْرُكْ خَيْرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ" (٣) ] (٤) .

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّه} إِخْبَارٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا بِشَرٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "وَيَحِقُّ لَهُ أَنْ يُؤْمِنَ " (٥) .

وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ نَجْدَةَ الْقُرَشِيِّ، حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّه} قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُقَّ لَهُ أَنْ يُؤْمِنَ". ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. (٦) .

وَقَوْلُهُ: {وَالْمُؤْمِنُون} عَطْفٌ عَلَى {الرَّسُولُ} ثُمَّ أَخْبَرَ عَنِ الْجَمِيعِ فَقَالَ: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} فَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ أَحَدٌ، فَرْدٌ صَمَدٌ، لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ. وَيُصَدِّقُونَ بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الْمُرْسَلِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ، لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِبَعْضٍ وَيَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ، بَلِ الْجَمِيعُ عِنْدَهُمْ صَادِقُونَ بَارُّونَ رَاشِدُونَ مَهْديون هَادُونَ إِلَى سُبُل (٧) الْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَنْسَخُ شَرِيعَةَ بَعْضٍ بِإِذْنِ اللَّهِ، حَتَّى نُسخ الْجَمِيعُ بِشَرْعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، الَّذِي تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى شَرِيعَتِهِ، وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِهِ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ.

وَقَوْلُهُ: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} أَيْ: سَمِعْنَا قَوْلَكَ يَا رَبَّنَا، وَفَهِمْنَاهُ، وَقُمْنَا بِهِ، وَامْتَثَلْنَا الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ، {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا} سُؤَالٌ للغَفْر (٨) وَالرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حرب الموصلي، حدثنا ابن فضيل، عن عطاء بن السائب،


(١) صحيح مسلم برقم (٨٠٦) وسنن النسائي (٢/١٣٨) .
(٢) في الإصابة: "أيفع بن عبد الكلاعي".
(٣) سنن الدارمي برقم (٣٣٨٠) وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة (١/١٣٩) : "هو مرسل أو معضل".
(٤) زيادة من جـ.
(٥) تفسير الطبري (٦/١٢٤) .
(٦) المستدرك (٢/٢٨٧) وتعقبه الذهبي، قلت: "منقطع"، وذلك لأن يحيى بن أبي كثير رأى أنسا ولم يسمع منه.
(٧) في أ: "إلى سبيل".
(٨) في جـ، أ: "بالعفو".

<<  <  ج: ص:  >  >>