للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إيمانًا، فذلك الفسق كُفرا، وإن كان غَيرَ إيمان، فذلك الفِسقُ معصية.

وقرئ في السبع: فَتَبَيَّنُوا: من البيان، وتَثَبَّتُوا؛ من التثبُّت، وكلاهما بمعنى متقاربٍ.

ولم يختلف النَّقَلَةُ - فيما عَلِمتُ أَنَّ هذه الآية نزلَت بسبب الوليد بن عقبة، بعثَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني المصطَلِقِ مصدِّقًا، فلمَّا أبصروه، أقبلوا نحوه، فهابهم لإحنةٍ (١) كانت بينهم في الجاهلية، وقيل: إنَّهم لم يخرُجُوا إليه، وأخبر أنهم ارتدُّوا؛ ذكره أبو عمر بنُ عبد البر، فرجَعَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبَرَه أنَّهُمُ ارتَدُّوا ومنعوا الزكاة، فبعَثَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد، وأمره بالتثبُّت في أمرهم، فأتاهم ليلاً، فسمعَ الأذان، ووجَدَهُم يصلُّون، وقالوا له: قد استبطأنا المصدِّقَ، وخفنا غضَبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرجَعَ خالدٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره بذلك؛ فنزلَتِ الآية.

ومقتضى الآية أنَّ الفاسق لا يُقبَلُ خبرُهُ، روايةً كان أو شهادةً، وهو مُجمَعٌ عليه في غير المتأوِّل، ما خلا ما حُكِيَ عن أبي حنيفة من حكمه بصحَّةِ عقدِ النكاحِ الواقعِ بشهادة فاسقَين. وحكمةُ ذلك أن الخبر أمانة، والفسق خيانة، ولا يوثَقُ بِخَؤون.

وقال الفقهاء: لا يقبل قوله؛ لأنَّ جُرأَته على الفسق تَخرِمُ الثقةَ بقوله، فقد يجترئ على الكذب كما اجترَأَ على الفسق.

فأمَّا الفاسق المتأوِّلُ الذي لا يعرف فِسقَ نفسه، ولا يكفرُ ببدعته: فقد اختُلِفَ في قَبُول قوله، فَقَبِلَ الشافعيُّ شهادته (٢)، وردَّها القاضي أبو بكر (٣). وفرَّقَ مالكٌ بين أن يدعُو إلى بدعة فلا تُقبَلُ، أو لا يدعُو فتقبَلُ، ورُوِيَ عنه: أنه لا تقبَلُ شهادتهم مطلقًا.

وكلُّهم اتفقوا على أنَّ مَن كانت بدعته تُجرِّئُهُ على الكذب كالخَطَّابية من الرافضة، لم تقبَل روايته ولا شهادته، ولبسط حُجَجِ هذه المذاهب موضعٌ آخر.


(١) "الإحْنَةُ": الحِقْد والغضب.
(٢) في (ع) قبول الشافعي شهادة الفاسق المتأول.
(٣) ابن العربي المعافري صاحب "العواصم".

<<  <  ج: ص:  >  >>