اختلفوا في الخطبة المشروعة: فذهب مالك وجمهور العلماء إلى أنه لا يجزئ في الخطبة إلا ما وقع عليه اسم الخطبة عند العرب. وأبو حنيفة وأبو يوسف ذهبا إلى أنه يُجزئ من ذلك تحميدةٌ، أو تهليلة، أو تسبيحة، وحكاه ابن عبد الحكم عن مالك.
والعير: الإبل التي تحمل الأطعمة والتجارة، وهي المسماة في الرواية الأخرى: سويقة، وهي تصغير سوق.
وقوله: فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا: فيه ردّ على من يقول: إن الجمعة لا تُقام إلا على أربعين فصاعدًا، وحُكي ذلك عن الشافعي، وقد تمسّك بهذا الحديث طائفة من أهل العلم على أن أقل ما تنعقد به الجمعة اثنا عشر، ولا حجة فيه على ذلك؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما عَقَدَهَا، وشرع فيها بأكثر من هذا (١) العدد، ثم عرض لهم أن تفرقوا، ولم يبق منهم غير ذلك العدد. وقد رُوي في بعض روايات هذا الحديث: أنه بقي معه أربعون رجلا، والأول أصح وأشهر.
وعلى الجملة فقد اختلف العلماء في العدد المشروط في وجوب الجمعة، وفي العدد الذي تصح ببقائهم إذا تفرقوا عن الإمام بعد شروعه فيها على أقوال كثيرة، فلنرسم فيه مسألتين:
المسألة الأولى: اختلف هل يُشترط في وجوب الجمعة عدد؟ فذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء إلى اشتراطه، وذهب داود إلى أنه لا يُشترط ذلك في وجوبها، وتلزم المنفرد، وهي ظهرُ ذلك اليوم عنده لكل أحد. قال القاضي عياض: وهو خلافُ الإجماع. واختلف المشترطون: هل هو مختصٌ