بعدد محصور أم لا؟ فعدم الحصر هو مذهب مالك؛ فإنه لم يشترط في ذلك حدًّا محدودًا، وإنما قال: يكونون بحيث يمكنهم الثَّواء في بلدهم، وتتقرَّى (١) بهم قرية. وفسّره بعض أصحابنا بنصب الأسواق فيها؛ حكاه عياض. والمشترطون للعدد اختلفوا: فمن قائل: مئتان، ومن قائل: خمسون؛ قاله عمر بن عبد العزيز، ومن قائل: أربعون؛ قاله الشافعي، ومن قائل: ثلاثون بيتًا؛ قاله مطرف، وعبد الملك، عن مالك، ومن قائل: اثنا عشر، ومن قائل: أربعة؛ قاله أبو حنيفة، لكن إذا كانوا في مصر. وقال غيره: ثلاثة، وقيل: واحد مع الإمام. وهذه أقوال متكافئة، وليس على شيء منها دليل، فالأصل ما صار إليه مالك من عدم التحديد، والتمسك بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، والعمل المتصل في ذلك: فإنهم كانوا يُجمِّعون في الأمصار الكِبار، والقرى الصغار؛ كجواثا وغيرها.
وأما المسألة الثانية: فقد اختلفوا فيما إذا كمل ما تنعقد به الجمعة، ثم تفرقوا عن الإمام، فقيل: إنها تجزئ وإن بقي وحده؛ قاله أبو ثور، وحُكي عن الشافعي. وقيل: إذا بقي معه اثنان، وهو قول الثوري، والشافعي، وقيل: إذا بقي معه اثنا عشر رجلا؛ تمسُّكًا بهذا الحديث، وحكاه أبو يعلى العبدي عن أصحاب مالك، وبه قال إسحاق، ثم اختلفوا في الحال التي يتفرقون عنها؛ فقال أبو حنيفة: إن عقد بهم ركعة أو سجدة ثم تفرقوا عنه أجزأه أن يُتمها جمعة، وإن كان قبل ذلك استقبل ظهرًا. وقال مالك والمزني: إن صلّى بهم ركعة بسجدتيها أتمها جمعة، وإلا لم تجزه، وقال زفر: متى تفرقوا قبل الجلوس للتشهد لم تصح جمعة، وإن جلس وتفرقوا عنه قبل السلام صحَّت، وقال ابن القاسم وسحنون: إن تفرقوا عنه قبل سلامه لم تجزئ الجمعة. وللشافعي قول ثالث: إنها لا تجزئه حتى يبقى معه