للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رَأَيتُمُوهُمَا فَافزَعُوا إلى الصَّلاةِ. وَقَالَ أَيضًا: فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجَ الله عَنكُم، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: رَأَيتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيءٍ وُعِدتُم،

ــ

الكثيف نور الشمس، عما يقابله من الأرض، وذلك لا يحصل به تخويف؟ قلنا: لا نُسلم أن سبب الكسوف ما ادعوه، ومن أين عرفوا ذلك؟ بالعقل أم بالنقل (١)؟ وكل واحد منهما إما بواسطة نظر، أو بغير واسطة، ودعوى شيء من ذلك ممنوعة، وغايتهم أن يقولوا: ذلك مبني على أمور هندسية ورصدية تُفضي بسالكها إلى القطع، ونحن نمنع أيضًا ما ذكروه إلى القطع، وهو أول المسألة، ولئن سلّمنا ذلك جدلا، لكنا نقول: يحصل بهما تخويف العقلاء من وجوه متعددة، أوضحها: أن ذلك مذكر بالكسوفات التي تكون بين يدي الساعة، ويمكن أن يكون ذلك الكسوف منها، ولذلك قام - صلى الله عليه وسلم - فزعًا يخشى أن تقوم الساعة. وكيف لا وقد قال الله عز وجل: {فَإِذَا بَرِقَ البَصَرُ * وَخَسَفَ القَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمسُ وَالقَمَرُ}؟ قال أهل التفسير: جمع بينهما في إذهاب نورهما، وقيل غير ذلك. وأيضًا فإن كل ما في هذا العالم علويّه وسفليّه دليل على نفوذ قدرة الله، وتمام قهره، واستغنائه، وعدم مبالاته، وذلك كله يُوجب عند العلماء بالله خوفه وخشيته؛ كما قال - تعالى -: {إِنَّمَا يَخشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} وخصّ هنا خسوفهما بالتخويف؛ لأنهما أمران علويان نادران طارئان عظيمان، والنادر العظيم مخوف موجع، بخلاف ما يكثر وقوعه، فإنه لا يحصل منه ذلك غالبًا، وأيضًا فلما وقع فيهما من الغلط الكثير للأمم التي كانت تعبدهما، ولما وقع للجهّال من اعتقاد تأثيرهما.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: رأيت في مقامي هذا كل شيء وُعِدتموه: هذه الرؤية رؤية عيان حقيقة، لا رؤية علم؛ بدليل: أنه رأى في الجنة والنار أقوامًا بأعيانهم، ونعيمًا، وقطفًا من عنب، وتناوله، وغير ذلك. ولا إحالة في إبقاء هذه الأمور على ظواهرها، لا سيما على مذاهب أهل السنة في أن الجنة والنار قد خُلقتا ووُجدتا؛


(١) عرف ذلك بالمعاينة بواسطة المراصد الفلكية.

<<  <  ج: ص:  >  >>