- وَعَن مُجَاهِدٍ، قَالَ: جَاءَ بُشَيرٌ العَدَوِيُّ إِلَى ابنِ عَبَّاسٍ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ وَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَجَعَلَ ابنُ عَبَّاسٍ لَا يَأذَنُ لِحَدِيثِهِ، وَلَا يَنظُرُ إِلَيهِ، فَقَالَ: يَا ابنَ عَبَّاسٍ! مَا لِي لَا أَرَاكَ
ــ
- والله أعلم -: فتنةَ قتلِ عثمان، وفتنةَ خروجِ الخوارجِ على عليٍّ ومعاوية؛ فإنَّهم كفَّروهما حتى استحلُّوا الدماءَ والأموال.
وقد اختُلِفَ في تكفير هؤلاء، ولا يشَكَّ في أنَّ من كفَّرهم لم يَقبَل حديثهم، ومن لم يكفِّرهُم اختلفوا في قَبُولِ حديثهم؛ كما بَيَّنَّاهُ فيما تقدَّم. فيعني بذلك - والله أعلم -: أنَّ قَتَلَةَ عثمان والخوارجَ لَمَّا كانوا فُسَّاقًا قطعًا، واختلطَت أخبارهم بأخبار مَن لم يكن منهم، وجَبَ أن يُبحَثَ عن أخبارهم فَتُرَدُّ، وعن أخبار غيرهم ممَّن ليس منهم فتُقبَلُ، ثم يجري الحُكمُ من غيرهم من أهل البدعِ كذلك.
ولا يَظُنُّ أحدٌ له فَهمٌ أنَّهُ يعني بالفتنة فتنةَ عليٍّ وعائشةَ ومعاويةَ؛ إذ لا يصحُّ أن يقال في أحدٍ منهم: مبتدعٌ، ولا فاسقٌ، بل كلٌّ منهم مجتهدٌ عَمِلَ على حسب ظنِّه، وهُم في ذلك على ما أجمَعَ عليه المسلمون في المجتهدين من القاعدة المعلومة، وهي أنَّ كلَّ مجتهدٍ مأجورٌ غيرُ مأثوم؛ على ما مهَّدناه في الأصول.
و(قوله: جَاءَ بُشَيرٌ العَدَوِيُّ إِلَى ابنِ عَبَّاسٍ) بُشَيرٌ: بضم الباء، وفتح الشين، وياء التصغير بعدها، وهو عدويٌّ بصريٌّ يكنى أبا أَيُّوب، حدَّث عن أبي ذر، وأبي هريرة، وأبي الدرداء، وحدَّث عنه: عبد الله بن بُديل، وطَلقُ بن حَبِيب، والعلاءُ بن زياد.
و(قوله: فجعَلَ لا يَأذَنُ لحديثِهِ) أي: لا يُصغِي إليه بِأُذُنه، ولا يستمعه؛ ومنه قوله تعالى:{وَأَذِنَت لِرَبِّهَا وَحُقَّت}[الانشقاق: ٢].