قُلتُ: أَرغَمَ اللهُ أَنفَكَ وَاللهِ مَا تَفعَلُ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَا تَرَكتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ العَنَاءِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: مِنَ العِيِّ.
رواه البخاري (١٢٩٩)، ومسلم (٩٣٥)، وأبو داود (٣١٢٢)، والنسائي (٤/ ١٥)، وابن ماجه (١٥٨١).
[٨٠٥]- وَعَن أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَت: أَخَذَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مع البَيعَةِ أَلا نَنُوحَ،
ــ
بكاءً بالعين فقط، لما كان لملء أفواههنّ بالتراب معنًى، وليس أمره - صلى الله عليه وسلم - للرجل بذلك ليفعله بهن على كل حالٍ، ولكن على طريق أن هذا مما يُسكتهنّ إن فعلنه، فافعله إن أمكنك، وهو لا يمكنك. وفيه دليل على أن المنهي عن المنكر، إن لم ينته عوقب وأُدِّب إن أمكن ذلك، وإلا فالملاطفة فيه أولى إن وقعت.
وقول عائشة - رضي الله عنها - للرجل: أرغَمَ الله أنفك؛ أي: ألصقه الله بالرغام - وهو التراب -، دعت عليه؛ لأنها فهمت أنه أَحرَجَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكثرة تكراره عليه وإخباره ببكائهن، ولذلك قالت له: والله ما تفعل ما أمرك به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: لا تقدر على فعله، لتعذُّره: وما تركتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العناء. ولم تُرِد الاعتراض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمره.
ووقع في رواية العذري مكان: من العناء من الغيّ - بالغين المعجمة والياء المشدَّدة، الذي هو ضد الرشد، وعند الطبري مثله، إلا أنه بالمهملة. والأول أليق بالمعنى وأصح، وكذلك رواه البخاري.
وقول أم عطية: أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا ننوح، دليل على تحريم النياحة، وتشديد المنع فيها؛ لأنها تستجلب الحزن، وتصدّ عن الصبر المحمود.