للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَزوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَن يَمُرُّوا بِجَنَازَتِهِ فِي المَسجِدِ فَيُصَلِّينَ عَلَيهِ فَفَعَلُوا،

ــ

الميت المسلم، إلا أنه قد صحّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن المؤمن لا ينجس (١). فهل يُحمل هذا على أنه لا ينجس حيًّا ولا ميتًّا فيستثنى تلك القاعدة الكلية؟ أو يحمل على أنه لا ينجس ما دام حيًّا؟ وهو الذي خرَّج عليه الحديث، وتحمل تلك القاعدة الكلية على أصلها، ويبقى الكافر على أصل القاعدة، وإنما الخلاف في نجاسة عين الكافر في حال حياته؛ فقال بنجاسته الشافعي وغيره متمسُّكًا بقوله تعالى: {إِنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسٌ} وقال مالك وغيره بطهارته متمسُّكًا بنوع من القياس، وهو المسمَّى بقياس العكس عند أصحابنا، وهو من باب قياس الدَّلالة.

تلخيصه أن يقال: لما كان الموت علّة التنجيس شرعًا لزم أن تكون الحياة علة الطهارة شرعًا؛ ضرورة عدم الواسطة بين التنجيس والطهارة، وقد استدلّ بعض أصحابنا على ذلك بقوله تعالى: وَلَقَد كَرَّمنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلنَاهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقنَا تَفضِيلًا، وتقرير الحجة فيهما فيه طول، وموضعه الفقه.

وقد تأوّل أصحابنا قوله تعالى: {إِنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسٌ} بأن معنى ذلك أنهم لا ينفَكُّون عن النجاسة لعدم تحرُّزِهم منها، ومنهم من حمله على معنى الذمّ.

ثم نرجع إلى أصل المسألة ونقول: لو سلمنا أن الميت المؤمن ليس بنجس فلا ينبغي أن يدخل المسجد؛ لإمكان أن ينفصل منه شيءٌ من النجاسات فيتلطخ المسجد، وقد تمسك من أجاز إدخال الميت في المسجد للصلاة عليه بما تمسكت به عائشة رضي الله عنها، ورأوا أنه حكم متعدٍّ لغير سهيل وأخيه، وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم من صلّى على جنازة في المسجد فلا شيء له على أن معناه فلا شيء عليه، كما قال تعالى: {وَإِن أَسَأتُم فَلَهَا}؛ أي: عليها، وممن ذهب إلى جواز ذلك الشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق وابن حبيب من


(١) رواه أحمد (٢/ ٢٣٥ و ٣٨٢)، والبخاري (٢٨٣)، ومسلم (٣٧١)، وأبو داود (٢٣١)، والترمذي (١٢١)، والنسائي (١/ ١٤٥)، وابن ماجه (٥٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>