للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَاكتَنَفتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي، أَحَدُنَا عَن يَمِينِهِ، وَالآخَرُ عَن شِمَالِهِ، فَظَنَنتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الكَلامَ إِلَيَّ، فَقُلتُ: أَبَا عَبدِ الرَّحمَنِ،

ــ

ويأتي لامتناعِ الامتناعِ وهو أصلُهَا، وبمعنى: إن؛ كقوله تعالى: وَلَو أَعجَبَتكُم وللتقليل؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: التَمِس ولو خاتَمًا مِن حديدٍ (١).

و(قوله: فاكتنفتُهُ أنا وصاحبي) أي: صرنا بِكَنَفَيه. والكَنَفُ والكَنِيف (٢): الساتر؛ ومنه قول العرب: أنا في كنَفِكَ، أي: في سترك.

وإنَّمَا جاءاه كذلك تأدُّبًا واحترامًا؛ إذ لو قاما أمامه، لمنعاه المشي، ولو صارا له من جانبٍ واحد، لكلَّفاه الميل إليهما، وكانت هذه الهيئةُ أحسنَ ما أمكنهما.

و(قوله: فَظَنَنتُ أنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الكَلَامَ إِلَيَّ) هذا منه اعتذارٌ عن توهُّمِ اعتراضٍ يُنسَبُ إليه فيه قلَّةُ المبالاةِ بصاحبه، واستِئثَارُهُ عليه بالمسابقة إلى الكلام؛ فبيَّنَ وجهَ اعتذارِهِ عن ذلك؛ وذلك أنَّهُ عَلِمَ من صاحبه أنَّهُ يكلُ الكلامَ إليه: فإمَّا لكونه أحسنَ منه سؤالاً وأبلغَ بيانًا، وإمَّا لحياءٍ يَلحَقُ صاحبَهُ يمنعه من السؤال، وإمَّا إيثارًا له، والله أعلم.

و(قوله: يا أبا عبدِ الرحمن: فيه دليلٌ على ما كانوا عليه من الاقتصاد في كلماتهم، وتركِ الإطراء والمدح وإن كان حقًّا، فقد كان ابنُ عمر مِن أعلمِ الناس وأفضلهم، وابنَ أميرِ المؤمنين عمر بن الخَطَّاب، ومع ذلك فلم يمدحوه بشيء مِن ذلك مع جلالتِهِ ولا أَطرَوهُ؛ محاسبةً منهم لأنفسهم على ألفاظهم، واكتِفاءً بما


(١) رواه البخاري (٥١٣٥)، وأبو داود (٢١١١)، والترمذي (١١١٤)، والنسائي (٦/ ١٢٣)، وأحمد (٥/ ٣٣٦).
(٢) من (ط).

<<  <  ج: ص:  >  >>