يُعلَمُ من فضائل الرجل عن القول والمدح الذي يُخاف منه الفتنة على المادح والممدوح.
و(قوله: إنَّهُ قد ظهر قِبَلَنَا ناسٌ) أي: فشا مذهبُهُم وانتشر، وهو مِنَ الظهورِ الذي يُضَادُّ الخفاء.
و(قوله: يقرؤون القرآنَ، ويتقَفَّرُونَ العِلمَ)؛ وهذه اللفظةَ بتقديمِ القافِ وتأخير الفاء، أي: يَتَّبِعون ويجمعون، يقال: اقتَفَر أثرَهُ، أي: تَتَبَّعه. ورواها أبو العلاء بن ماهان بتقديم الفاء وتأخير القاف، أي: إنَّهُم يُخرِجون غامضَه، ويبحثون عن أسراره، ومنه قولُ عمر بن الخَطَّاب - وذكر امرَأَ القَيس - فقال: افتقَرَ عن معانٍ عُورٍ أصَحَّ بَصَرٍ، أي: فتح عن معانٍ غامضةٍ مبصرًا (١).
وروي - في غير كتاب مسلم -: يَتَقَفَّونَ بواو مكان الراء، من قَفَوتُ أثرَهُ، أي: تتبَّعتُهُ، وهو من القَفَاء، وكلُّها واضحُ.
و(قوله: وذكَرَ من شأنهم) أي: عظمِ أمرهم في الذكاء، والجِدِّ في طلب العلم، وإنما ذَكَرَ له ذلك من أوصافهم؛ تنبيهًا له على الاعتناءِ بمقالتهم والبحث عنها؛ ليوضِّحَ أمرها؛ فإنّ كلامَهم قد وقع من القلوب بالموقع الذي لا يزيله إلا إيضاح بالغ، وبرهانٌ واضح، ولمَّا فَهِمَ ابن عمر ذلك أفتى بإبطالِ مذهبهم وفَسَادِه، وحكَمَ بِكُفرهم، وتبرَّأ منهم، واستدلَّ على ذلك بالدليل القاطع عنده.
و(قوله: إنَّ الأَمرَ أُنُفٌ) أي: مستَأنَفٌ، ومعناه عندهم: أنَّهُ لم تسبِق به سابقةُ علمِ الله ولا مشيئتِهِ، وإنما أفعالُ الإنسان موجودةٌ بعلم الإنسان واختيارِهِ؛ كما تقدَّم من مذهبهم.