عرض ماله مائة ألف فتصدّق بها) (١). فقد أفاد مجموع ما ذكرنا: أن صدقة المؤثر والمُقِل أفضل، وحينئذ يثبت التعارض بين هذا المعنى وبين قوله:(خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى)؛ على تأويل الخطابي.
فأما على ما أوَّلنا به الغنى، فيرتفع التعارض، وبيانه: أنَّ الغنى يعني به في الحديث: حصول ما تدفع به الحاجات الضرورية؛ كالأكل عند الجوع المشوِّش الذي لا صبر عليه، وستر العورة، والحاجة إلى ما يدفع به عن نفسه الأذى، وما هذا سبيله، فهذا ونحوه مما لا يجوز الإيثار به، ولا التصدُّق، بل يحرم؛ وذلك: أنه إن آثر غيره بذلك، أدى إلى هلاك نفسه، أو الإضرار بها، أو كشف عورته، فمراعاة حقَّه أولى على كل حال، فإذا سقطت هذه الواجبات صحّ الإيثار، وكأن صدقته هي الأفضل؛ لأجل ما يحمله من مضض الحاجة وشدَّة المشقة، والله تعالى أعلم.
وقوله:(إن هذا المال خضرة حلوة)؛ أي: روضة خضراء، أو شجرة ناعمة غضَّة مستحلاة الطعم.
وقوله:(فمن أخذه بطيب نفس)؛ أي: بسخاوتها، وقلة حرصها، بورك له فيه؛ أي: انتفع صاحبه في الدّنيا بالتنمية، وفي الآخرة بأجر النفقة. وإشراف النفس: هو حرصها وتشوُّفها.
وقوله:(ولم يبارك له فيه)؛ أي: لا ينتفع به صاحبه؛ إذ لا يجد لذة نفقته،
(١) رواه أحمد (٢/ ٣٧٩)، والنسائي (٥/ ٥٩)، وابن ماجه (٣٦٨٤).