للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: فَعَجِبنَا لَهُ يَسأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ!

ــ

أحدهما: متعدٍّ بنفسه؛ كقولك: أحسنتُ كذا وفي كذا، إذا حَسَّنتَهُ وكمَّلتَهُ، وهو منقولٌ بالهمزة من حَسُنَ الشيءُ.

وثانيهما: متعدٍّ بحرف جرٍّ؛ كقولك: أحسنتُ إلى كذا، أي: أوصَلتُ إليه ما يَنتَفعُ به، وهو في هذا الحديث بالمعنى الأوَّل، لا بالمعنى الثاني؛ إذ حاصلُهُ راجعٌ إلى إتقانِ العبادات، ومراعاة حقوق الله تعالى فيها، ومراقبته، واستحضارِ عظمتِهِ وجلاله حالةَ الشروع، وحالةَ الاستمرار فيها.

وأربابُ القلوب في هذه المراقبة على حالين:

أحدهما: غالبٌ عليه مشاهدةُ الحقِّ، فكأنَّهُ يراه؛ ولعلَّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى هذه الحالة بقوله: وجُعِلت قُرَّةُ عيني في عبادة ربي (١).

وثانيهما: لا ينتمي إلى هذه الحالة، لكن يغلب عليه أنَّ الحقَّ سبحانه مطَّلِعٌ عليه ومشاهدٌ له؛ وإليه الإشارةُ بقوله تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} وبقولِهِ: وَمَا تَتلُو مِنهُ مِن قُرآنٍ وَلَا تَعمَلُونَ مِن عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيكُم شُهُودًا إِذ تُفِيضُونَ فِيهِ.

وهاتان الحالتان ثمرةُ معرفةِ الله تعالى وخشيتِهِ؛ ولذلك فسَّر الإحسانَ في حديث أبي هريرة بقوله: أَن تخشى اللهَ كأَنَّك تراه (٢)؛ فعبَّرَ عن المسبَّب باسم السَّبَب توسُّعًا، والألفُ واللامُ اللذان في الإحسان المسؤول عنه للعهد، وهو الذي قال الله تعالى فيه: لِلَّذِينَ أَحسَنُوا الحُسنَى وَزِيَادَةٌ، و: هَل جَزَاءُ الإِحسَانِ إِلَّا الإِحسَانُ، و: وَأَحسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ.


(١) رواه أحمد (٣/ ١٢٨ و ١٩٩ و ٢٨٥)، والنسائي (٧/ ٦٢)، ولفظه: "وجُعلت قُرَّة عيني في الصَّلاة" وكذا في هاش (ل).
(٢) حديث أبي هريرة سيأتي في التلخيص برقم (٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>