للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِلَى مَكَّةَ وَنَحنُ صِيَامٌ قَالَ: فَنَزَلنَا مَنزِلاً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّكُم قَد دَنَوتُم مِن عَدُوِّكُم وَالفِطرُ أَقوَى لَكُم، وَكَانَت رُخصَةً فَمِنَّا مَن صَامَ، وَمِنَّا مَن أَفطَرَ، ثُمَّ نَزَلنَا مَنزِلاً آخَرَ، فَقَالَ: إِنَّكُم مُصَبِّحُو عَدُوِّكُم، وَالفِطرُ أَقوَى

ــ

وقوله: (إنكم قد دنوتم من عدوِّكم والفطر أقوى لكم)؛ دليل على أن حفظ القوة بالفطر أفضل لمن هو منتظر (١) للقاء العدوِّ.

وقوله: (فكانت رخصة)؛ يعني: أنهم لم يفهموا من هذا الكلام الأمر بالفطر، ولا الجزم به. وإنما نبَّه به على أن الفطر أولى لمن خاف الضعف.

وسُمِّي هذا: رخصة بناء على أن كل مكلف مخاطب بصوم رمضان، كما قد أفهمه قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ} أو بالنسبة إليهم؛ إذ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صام من حين خروجه من المدينة، وصام الناس معه إلى أن بلغ الكديد، كما تقدَّم، فلما خاف عليهم الضعف نبههم على جواز الفطر، وأنه الأفضل. فسُمي ذلك رخصة بالنسبة إلى ترك ما كانوا قد اختاروه من الصوم، ولما فهموا: أن هذا من باب الرُّخص كان منهم من هو موفور القوة فصام، وكان منهم من خاف على نفسه فأفطر.

ثم بعد ذلك قال لهم: (إنكم مُصَبِّحو عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا). قال: (وكانت عزمة)؛ أي: أنهم فهموا من أمره بالفطر أنه جزم، ولا بدَّ منه، وأنه واجب، فلم يصم منهم أحد عند ذلك فيما بلغنا، ولو قدر هنالك صائم لاستحقوا أن يقال لهم: (أولئك العصاة).

وقد حمل بعض علمائنا قوله: (أولئك العصاة) على هذا، بناءً على أن منهم من صام بعد الأمر بالفطر. ولم يسمع ذلك في حديث مروي، وإنما هو تقدير من هذا القائل.


(١) في (هـ): مستنظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>