ثم اختلفوا في مقدار هذا الطعام حيث يجب: فذهب مالك وجماعة من العلماء: إلى أنه مُدٌّ لكل مسكين بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد تقدَّم في الزكاة.
وقال أشهب: مُدّ وثلث بمد أهل المدينة. وقال قوم: قوت يوم عشاء وسحور. وقال سفيان الثوري، وأبو حنيفة: نصف صاع من قمح، وصاع من تمر أو زبيب.
وقوله:{فَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فَهُوَ خَيرٌ لَهُ}؛ أي: من تطوع بزيادة على إطعام مسكين، قاله ابن عباس وجماعة. وقال ابن شهاب: من أراد الإطعام مع الصوم. وقال مجاهد: من زاد في الإطعام على المد.
وخَيرٌ الأول والثاني بمعنى: أَخيَر، وأفضل، معناه: من تطوَّع بأكثر من ذلك فهو أفضل عند الله.
وقوله:{وَأَن تَصُومُوا خَيرٌ لَكُم}؛ أي: الصوم خير. وكذلك قرأها أُبَيّ. ومعناه: أن الصوم أفضل وأولى من الفدية.
وقول سلمة بن الأكوع: إن ذلك نسخ بقوله: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ} هذا مقبول من قول الصحابي؛ لأنه أعلم بالمقال، وأقعد بالحال، كما إذا قال: أمر ونهى. ووجه النسخ في هذا واضح؛ وهو: أن آية الفدية تقتضي التخيير بين الفدية والصوم مطلقًا، كما قال سلمة. وهذه الآية الأخرى جاءت جازمة بالصوم لمن شهد الشهر، رافعة لذلك التخيير.
ومعنى: شهد الشهر؛ أي: حضر فيه مقيمًا في المصر. هذا قول جمهور العلماء، وعلى هذا يكون الشَّهرَ منصوبًا على الظرف، ويكون معناه عندهم: أن من دخل عليه الشهر وهو مسافر، أو طرأ عليه فيه سفر؛ لم يجب عليه صومه.
وروي عن عليّ، وابن عباس، وعبيدة السلماني: أن معنى مَن شَهِدَ: من حضر دخول الشهر، وكان مقيمًا في أوله فليكمل صيامه، سافر بعد ذلك أو أقام؛ وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في السفر.
قلت: وهذا القول يردّه فطر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في السَّفر الطارئ عليهم بفتح مكة، على ما تقدَّم. وقد كانوا ابتدؤوا الصوم في الحضر. وقال أبو حنيفة: من