شهد الشهر بشروط التكليف فليصمه، ومن دخل عليه وهو مجنون، وتمادى به طول الشهر فلا قضاء عليه؛ لأنه لم يشهد الشهر بصفة يجب بها الصيام. ومن جُنَّ أول الشهر، أو آخره؛ فإنه يقضي أيام جنونه.
قال القاضي أبو محمد بن عطية: ونصب الشهر على هذا التأويل على المفعول الصريح: بـ (شَهِدَ).
قلت: وتكميله أن يكون شُهَدَ بمعنى: شاهد.
وقول عائشة -رضي الله عنها-: (أنها يكون عليها الصوم فما تستطيع أن تقضيه حتى يأتي شعبان)؛ فيه حجة على أن قضاء رمضان ليس على الفور؛ خلافًا لداود في إيجابه إياه ثاني شوال، ومن لم يصمه كذلك فهو آثم عنده. وهذا الذي صار إليه داود خلافًا لما يفهم من هذا الحديث ومن قوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ}؛ فإنه لم يعينها، ولا قيدها بقيدٍ، فتعيينها تحكم بغير دليل.
وحديث عائشة هذا وإن لم تصرح فيه برفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه يعلم: أنه لا يخفى مثله عنه، ولا أن أزواجه ينفردن بآرائهن في مثل هذا الأمر المهم الضروري، فالظاهر: أن ذلك عن إذن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتسويفه لهن ذلك. فوقت قضائه على هذا: من شوال إلى شعبان. وهو قول مالك، والشافعي. فله أن يوقعه في أي وقت من أوقات المدة المذكورة شاء. وحينئذ يأثم مؤخره عن شعبان لتفريطه.
ثم هل تلزمه كفارة لذلك، أم لا تلزمه؟ فالأول قول مالك، والشافعي، ومعظمهم. وقال به ابن عباس، وعائشة. وذهب أبو حنيفة، وأصحابه، وداود: إلى أنه لا كفارة عليه.
ثم اختلف أصحابنا فيما به يكون مفرطًا: فمعظم الشيوخ: على أنه لا يكون مفرطًا إلا بترك القضاء عند خروج مقدار ما عليه من أيام الصوم من شعبان. ولو صح من سنته، ثم جاءه ما منعه حتى دخل عليه رمضان؛ لم تلزمه الكفارة.
وقال بعضهم: إنه تراعى صحته، وإقامته من أول عامه، فمن صح من