وسادسها: أن الأعمال كلَّها ظاهرة للملائكة، فتكتبها إلا الصوم، وإنما هو نية وإمساك، فالله يعلمه، ويتولى جزاءه؛ قاله أبو عبيد.
وسابعها: أن الأعمال قد كشفت لبني آدم مقادير ثوابها، وتضعيفها إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير، ويشهد لهذا مساق الرواية الأخرى التي فيها:(كل عمل ابن آدم يضاعف؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله: إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به)؛ يعني - والله تعالى أعلم -: أنه يجازي عليه جزاء كثيرًا من غير أن يعين مقداره، ولا تضعيفه، وهذا كما قال الله تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ} وهم الصائمون في أكثر أقوال المفسرين. وهذا ظاهر قول الحسن، غير أنه قد تقدَّم، ويأتي في غير ما حديث: أن صوم اليوم بعشرة، وأن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصيام رمضان صيام الدهر. وهذه نصوص في إظهار التضعيف، فَبَعُدَ هذا الوجه، بل بطل.
والأولى حمل الحديث على أحد الأوجه الخمسة المتقدمة؛ فإنها أبعد عن الاعتراضات الواقعة، والله تعالى أعلم.
وقوله:(يذر شهوته وطعامه من أجلي)؛ تنبيه على الجهة التي بها يستحق الصوم أن يكون كذلك، وهو الإخلاص الخاص به، كما قدمناه في الوجه الأول.
وقوله:(الصيام جنَّة)، مادة (١) هذه اللفظة التي هي: الجيم والنون كيف ما دارت صورها بمعنى: السترة؛ كالجن، والجنّة، والجنون، والمجن؛ فمعناه: أن الصوم سترة، فيصح أن يكون (جُنَّة) بحسب مشروعيته؛ أي: ينبغي للصائم أن يعريه مما يفسده، ومما ينقص ثوابه؛ كمناقضات الصيام، ومعاصي اللسان. وإلى هذه الأمور وقعت الإشارة بقوله: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا