وظاهره: أن الصائم يقول ذلك القول المأمور به للساب ليسمعه، وليعلمه اعتصامه بالصوم، فينكف عن سبه. ويحتمل أن يراد أنه يقول ذلك لنفسه مذكرًا لها بذلك، وزاجرًا عن السباب.
واختلف إذا سَبَّ الصائم أحدًا، أو اغتابه: فالجمهور على أن ذلك ليس بمفسد للصوم. وذهب الأوزاعي: إلى أن ذلك مفطرٌ مُفسدٌ. وبه قال الحسن فيما أحسب.
وقوله:(لَخُلُوف فم الصائم)، هكذا الرواية الصحيحة؛ بضم الخاء، ومن لا يحقق بقوله بفتح الخاء. وقال الخطابي: هو خطأ. قال الهروي: خلف فوه: إذا تغير، يخلف، خلوفًا. ومنه: حديث علي وسُئل عن قبلة الصائم فقال: (وما أَرَبُكَ إلى خلوف فيها؟ ).
ويقال: نومة الضحى مخلفة للفم؛ أي: مغيرة. قال صاحب الأفعال: خلف فوه، وأخلف.
وقد أخذ الشافعي من هذا الحديث منع الصائم من السِّواك من بعد الزوال. قال: لأن ذلك الوقت مبدأ الخلوف، قال: والسواك يذهبه. وربما نظم بعض الشافعية في هذا قياسًا، فقال: أثر عبادة فلا يُزَال كدم الشهيد.
وهذا القياس ترد عليه أسئلة من جملتها؛ القول: ومع أن السِّواك يزيل الخلوف، فإنه من المعدة والحلق، لا من محل السِّواك، وحينئذ لا يلزم شيء من ذلك. وقد أجاز كافة العلماء للصائم أن يتسوَّك بسواك لا طعم له، في أي أوقات النهار شاء.
وقوله:(أطيب عند الله من ريح المسك)؛ لا يتوهم: أن الله تعالى يستطيب الروائح، ويستلذها، كما يقع لنا من اللذة، والاستطابة؛ إذ ذاك من صفات افتقارنا، واستكمال نقصنا، وهو الغني بذاته، الكامل بجلاله وتقدسه. على أنا نقول: إن الله تعالى يدرك المدركات، ويبصر المبصرات، ويسمع المسموعات على الوجه اللائق بجماله وكماله وتقدسه عن شبه مخلوقاته، وإنما معنى هذه الأطيبية عند الله تعالى راجعة إلى أن الله تعالى يثيب على خلوف فم الصائم ثوابًا