فيه، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض)(١)، وسيأتي لهذا مزيد بيان.
وأجمع المسلمون على وجوب الحج في الجملة، وأنه مرَّة في العمر. ولوجوبه شروط؛ وهي: العقل، والبلوغ، والاستطاعة، على ما يأتي تفصيلها. وهذه الشروط هي المتفق عليها، فأما الإسلام فقد اختلف العلماء فيه: هل هو من شروط الوجوب؟ أو من شروط الأداء؟ وأما الحرية: فالجمهور على اشتراطها في الوجوب، وفيها خلاف.
واختلف أصحابُ مالك، والشافعي في وجوب الحج: هل هو على الفور، أو على التراخي، فذهب العراقيون من أصحابنا: إلى أنه على الفور. وهو قول المزني، وأبي يوسف. وذهب أكثر المغاربة، وبعض العراقيين: إلى أنه على التراخي. وهو قول محمد بن الحسن. وكلهم اتفقوا: على أنه يجوز تأخيره السنة والسنتين.
وسبب الخلاف اختلافهم في مطلق الأمر؛ هل يقتضي الفور، أو لا يقتضيه؟ وهذا الأصل تنكشف حقيقته في علم الأصول. وأيضًا: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخَّر الحج سنة بعد إيجابه؛ كما قدمنا.
(١) ومن باب: ما يجتنبه المحرم من اللباس
قوله وقد سُئل عما يَلبسه المُحرِم من الثياب -: (لا تلبسوا القمص. . .) الحديث؛ إنما أجاب - صلى الله عليه وسلم - بما لا يُلبَس، وإن كان قد سُئل عما يَلبس؛ لأن لا يَلبَس المُحرِم منحصر، وما يَلبَسه غير منحصر، فعدل إلى المنحصر فأجابه به، وقد أجمع المسلمون على أن ما ذكره في هذا الحديث لا يلبسه المحرم مع الرفاهية والإمكان، وقد نبَّه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث بالقميص والسراويل: على كل مخيط، وبالعمائم والبَرَانِس: على كل ما يغطي الرأس؛ مخيطًا كان أو غيره، وبالخفاف:
(١) رواه أحمد (٥/ ٣٧)، والبخاري (١٠٥)، ومسلم (١٦٧٩).