فَاغسِلهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَمَّا الجُبَّةُ فَانزِعهَا، ثُمَّ اصنَع فِي عُمرَتِكَ مَا تَصنَعُ فِي حَجِّكَ. وقد رواه من طرق، ولم يذكر في شيء منها ثلاث مرات.
ــ
لأن ذلك الطيب كان زعفرانًا، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرَّجل عن المَّزَعُفُر، وإن لم يكن مُحرِمًا. وهذا التأويل يأباه مساق الحديث، فتأمله. وقد تأول أصحابنا حديث عائشة تأويلات؛ أقربها تأويلان:
أحدهما: أن ذلك الوبيص الذي أبصرته عائشة إنما كان بقايا دهن ذلك الطيب، تعذَّر قلعها، فبقيت بعد أن غُسِلت.
وثانيهما: قاله أبو الفرج من أصحابنا: إن ذلك من خواصه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن المحرم إنما مُنِع من الطيب لئلا يدعوه إلى الجماع، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أملك الناس لإِربِه؛ كما قالت عائشة -رضي الله عنها-، وقد ظهرت خصائصه في باب النكاح كثيرًا.
وقوله:(فاغسله ثلاث مرات)؛ دليل على المبالغة في غسله، حتى يذهب ريحه، وأثره، لا أن ثلاثًا حدٌّ في هذا الباب. ويحتمل: أن ثلاثًا راجع إلى تكرار قوله: (فاغسله)، فكأنه قال: اغسله، اغسله، اغسله. يدل على صحته ما قد روي من عادته - صلى الله عليه وسلم - في كلامه، فإنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا.
وقوله:(وأما الجبة فانزعها)؛ ردٌّ على الشعبي، والنخعي حيث قالا: إن ذلك الثوب يُشق؛ لأنه إذا خلعه من رأسه غطى رأسه، والمحرم ممنوع من تغطية رأسه. وهذا ليس بشيء؛ لأنا لا نسلم أن هذه التغطية منهي عنها؛ لأنه لا ينفك عن المنهي إلا بها، فصار هذا الخَلع مأمورًا به، فلا يكون هو الذي نُهي عنه المحرم. ويجري هذا مجرى من حَلَفَ ألا يلبس ثوبًا هو لابسه، ولا يركب دابَّة هو راكب ا. وأيضًا: فإن هذه التغطية لا ينتفع بها، فلا تكون هي المنهي عنها للمحرم، فإنه إنما نهي عن تغطية ينتفع بها على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
وقوله:(ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك)؛ هذا اللفظ جاء في أكثر