وفي طريق آخر: قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَهلَلَتُ بِعُمرَةٍ، ولم أكن سقت الهدي حتى قدمنا مكة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مَن أَحرَمَ بِعُمرَةٍ وَلَم يُهدِ فَليَحلِل، وَمَن أَحرَمَ بِعُمرَةٍ وَأَهدَى فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَنحَرَ هَديَهُ؛ وَمَن أَهَلَّ بِحَجٍّ فَليُتِمَّ حَجَّهُ. قَالَت
ــ
لم تطب نفسها بالعمرة التي أردفت عليها؛ لأنها طافت طوافًا واحدًا، وسعت سعيًا واحدًا. كما جاء عنها من حديث جابر: أنها قالت: يا رسول الله! إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت. فقال لعبد الرحمن: أعمرها من التنعيم، فلما فرغت منها، قال لها هذه المقالة تطييبًا لقلبها؛ ألا ترى أنه قد حكم بصحة العمرة المردف عليها؟ ! وعلى هذا فلا يكون فيه حجة لمن يقول: إنها رفضت العمرة المتقدمة، وهذه قضاء لتلك المرفوضة، لما قررناه. فتدبره.
وأنصّ ما يدلّ على صحة ما قلناه قولها:(وأمرني أن أعتمر من التنعيم مكان عمرتي التي أدركني الحج ولم أحلل منها).
وقوله:(ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه)؛ يعني: أنه لا يحلق حتى ينحر الهدي؛ كما قال تعالى:{وَلا تَحلِقُوا رُءُوسَكُم حَتَّى يَبلُغَ الهَديُ مَحِلَّهُ} وكذلك فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجته: نحر، ثم حلق، وقال:(أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن ننحر، ثم نحلق، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا)(١)، وستأتي الرخصة في تقديم بعض هذه الأشياء على بعض.
وقوله:(ومن أهل بحج فليتم حجه)؛ هذا - والله أعلم - قاله لهم قبل أن
(١) رواه البخاري (٩٦٨)، والنسائي (٣/ ١٨٢) من حديث البراء.