للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: صَدَقَ. قَالَ: فَبِالَّذِي أَرسَلَكَ، آللهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَم. قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا. قال: صدق. قال:

ــ

بما جِئتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَن وَرَائِي مِن قَومِي، وفيه نَظَرٌ.

وأمَّا مساقُ حديثِ مسلم: فظاهره أنَّ الرجُلَ لم يَشَرِح صدرُهُ للإسلامِ بَعدُ، وأنَّه بَقِيَت في قلبه منازعاتٌ وشكوكٌ، فجاء مجيءَ الباحثِ المستَثبِت؛ أَلَا تراه (١) يقولُ: يا محمَّدُ، أتانا رسُولُكَ فزَعَمَ لنا أَنَّكَ تزعُمُ أنَّ الله أَرسَلَكَ؛ فإنَّ الزَّعم قولٌ لا يُوثَقُ به.

قاله ابن السِّكِّيتِ وغيرُهُ، غير أنَّ هذا الرجُلَ كان كاملَ العَقل، وقد كان نظر بعقله في المخلوقات، فَدَلَّهُ ذلك على أنَّ لها خالقًا خلقها (٢)؛ ألا ترى أنَّهُ استفهَمَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن خالقِ المخلوقاتِ استفهامَ تقريرٍ للقاعدة التي لا يَصِحُّ العلمُ بالرسول إلَاّ بعد حصولها، وهي التي تفيدُ العِلمَ بالمُرسِلِ، ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا وافقَهُ على ما شَهِدَ به العقلُ، وأنَّ الله تعالى هو المُنفَرِدُ بِخَلقِ هذه المخلوقات: أقسَمَ عليه وسأله به: هل أرسلَهُ؟

ثمَّ إنَّ الرجُلَ استمرَّ على أَسئلتِه، إلى أن حَصَلَ على طَلِبَتِه، فانشرَحَ صدرُهُ للإسلام، وزاحَت عنه الشكوك والأوهام، وذلك ببركَةِ مشاهدِته أنوارِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فلقد كان كثيرٌ من العقلاء يحصُلُ لهم العلمُ بصحَّةِ رسالَتِه، بنفسِ رؤيتِهِ ومشاهدتِه قبلَ النظر في معجزتِه؛ كما قال أبو ذرٍّ: فَلَمَّا رَأَيتُهُ عَلِمتُ أنَّ وَجهَهُ لَيسَ بِوَجهِ كَذَّابٍ، حتَّى قال بعضهم:

لَو لَم تَكُن فِيهِ آيَاتٌ مُبَيِّنَةٌ ... لَكَانَ مَنظَرُهُ يُنبِيكَ بِالخَبَرِ

والحاصلُ: مِن حال هذا السائل أنَّهُ حصَلَ له العلمُ بصدقِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وبصحَّةِ رسالتِهِ لمجموع قرائن لا تتعيَّنُ إحداها ولا تنحصرُ أعدادها.


(١) قوله: (ألا تراه) ساقط من (ع).
(٢) ساقط من (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>