فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا. قال: صدق، قال: ثم ولى، قال:
ــ
ويستفادُ من هذا الحديث: أنَّ الشرع إنَّما طلَبَ مِنَ المكلَّفين التصديقَ الجزم بالحقِّ، كيف حَصَل، وبأيِّ وجهٍ ثَبَت، ولم يَقصُرهُم في ذلك على النظر في دلالةٍ معيَّنة، ولا معجزةٍ ولا غيرها، بل كُلُّ مَن حصَلَ له اليقينُ بِصِدقِهِ: بمشاهدةِ وجهه، أو بالنظرِ في (١) معجزتِه، أو بتحليفهِ، أو بقرينةٍ لَاحَت له كان من المؤمنين، وكان مِن جُملَةِ عبادِ الله المخلصين؛ لكن دلالاتُ المعجزات هي الخاصَّةُ بالأنبياء، والطرقُ العامَّةُ للعقلاء.
وقد روى ابنُ عبَّاس - رضي الله عنهما - حديثَ ضِمَامٍ هذا بأكملَ مِن هذا، وقال فيه ما يَدُلُّ على أنَّ ضِمَامًا إِنَّما أسلَمَ بعد أن أجابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أسئلته المتقدِّمة، فلمَّا أن فرَغَ، قال ضِمَام: أَشهدُ أَن لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ، وَأَشهَدُ أنَّ محمّدًا رسولُ اللهِ، وَسَأُؤدِّي هذه الفرائضَ، وَأَجتَنِبُ ما نهَيتَنِي عنه، ثمّ لا أزيد ولا أنقُصُ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِن يَصدُق ذُو العَقِيصَتَينِ (٢) يَدخُلِ الجَنَّة (٣) ثُمَّ قَدِمَ عَلَى أهلِهِ، فَعَرَضَ عَلَيهِمُ الإِسلَامَ، فَمَا أَمسَى ذَلِكَ اليَومُ في حَاضرِهِ مِن رجُلٍ ولا امرأةٍ إلَاّ مسلمًا، قال ابنُ عَبَّاسٍ: فَمَا سَمِعنَا بِوَافِدٍ قَطُّ كَانَ أَفضَلَ مِن ضِمَامٍ.
ونادى هذا الرجلِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يا محمَّد، ويا ابنَ عَبدِ المطَّلب، ولم ينادِه بالنبوَّةِ ولا بالرسالة، إمَّا لأنَّهُ لم يؤمن بَعدُ؛ كما قلناه، وإمَّا لأنَّهُ باقٍ على صفة أهلِ الباديةِ والأعراب؛ إذ لم يتأدَّب بَعدُ بشيء من آداب الشرع، ولَا عَلِمَ ما يجبُ عليه مِن تَعزِيرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره؛ فإنّ اللهَ تعالى قد نهى أن ينادَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: يا محمَّدُ، حين