وقوله:(فلما أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمشعر الحرام لم تشكَّ قريشٌ أنَّه سيقتصر عليه، ويكون منزله ثمَّ) يعني: أنهم توهَّموا أنه يفعل كما كانت هي تفعل في الجاهلية، فإنهم كانوا يرون لأنفسهم أنهم لا يقفون بعرفة، ولا يخرجون من الحرم، ويقفون بالمشعر الحرام بدل وقوف الناس بعرفة، وهذا مما كانوا ابتدعوه في الحج، فلما حجَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أحكم الله الحجَّ، وأزال ما ابتدعته الجاهلية، وأنزل الله:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِن حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ} يخاطب قريشًا، ويأمرهم بأن يقفوا بعرفة حيث يقف غيرهم من الناس، وكذلك فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعدل عن المشعر الحرام إلى عرفة، فوقف بها، وهي سُنَّة إبراهيم المعروفة عند العرب وغيرهم.
وقوله:(نحرت هاهنا، ومنى كلها منحر)؛ يعني: أنه وإن كان قد نحر في ذلك الموضع المخصوص من منى، فالنحر واسع في كل مواضعها، وهو متفق عليه، وكذلك عرفة ومزدلفة. غير أن توخي موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنحره أولى تبرُّكًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبآثاره، وفي حديث مالك:(عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عُرَنَة)(١) وهو وادي عرفة. قال ابن حبيب: وفيه مسجد عرفة، وهو من الحرم. واتفق العلماء: على أنه لا موقف فيه. واختلفوا فيمن وقف في عُرَنَة: فقال أبو مصعب: هو كمن لم يقف، وحكي عن الشافعي. وقال مالك: حَجُّه صحيح وعليه دم. حكاه عنه ابن المنذر. ومن وقف في المسجد أجزأه عند مالك. وقال